قعدوا عن ذلك. فقال : إنهم لم يقعدوا عنه إلّا عند عدم الاحتياج إليه ، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد كان عندنا رجل بالبصرة له منزلة رفيعة ، لزمه فرض من ذلك في وقت من الأوقات ، فبادر نحوه ، فلقيه رجل آخر وقال له : إن الله تعالى أمرني بما عزمت عليه ، وكفاك إياه ، فرجع إلى منزله ، وحمد الله تعالى على حسن الكفاية ، والله أعلم. قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) [٧٦] فقال : كان هذا القول منه تعريضا لقومه عند حيرة قلوبهم ، لأنه كان أوتي رشده من قبل ، كما قال : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [٧٥]. قيل : ما معنى قوله : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) [٧٧] قال : يعني لئن لم يدم لي الهداية ، (لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) [٧٧] ثم قال : كانت ملة إبراهيم عليهالسلام السخاوة ، وحالة التبري من كل شيء سوى الله تعالى ، ألا تراه حين قال جبريل عليهالسلام : هل لك حاجة؟ قال : أما إليك فلا. لم يعتمد على أحد سواه في كل حال.
وقوله تعالى : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [٩٨] أي مستقر في أرحام النساء و «مستودع» يعني النطفة في صلب آدم عليهالسلام. وقوله : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) [١٢٠] يعني اتركوا المعاصي بالجوارح ، ومحبتها بالقلب ، وبالإصرار عليها. وقوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [١٢٥]. قال سهل : إن الله ميز بين المريد والمراد في هذه الآية ، وإن كان الجميع من عنده ، وإنما أراد أن يبين موضع الخصوص من العموم ، فخص المراد في هذه السورة وغيرها ، وذكر المريد وهو موضع العموم في هذه السورة أيضا ، وهو قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [٥٢] فهو قصد العبد في حركاته وسكونه إليه ، كما قال : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) [الشورى : ٣٨] فكل من وجد حال المريد والمراد فهو من فضل الله عليه ، ألا ترى أنه جمع بينهما في قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] قيل له : فما الفصل بينهما؟ فقال : المريد الذي يتكلف القصد إليه والعبادة لله تعالى ويطلب الطريق إليه ، فهو في الطلب بعد ، والمراد قيام الله تعالى له بها ، والرجل يجد في نفسه ما يدل على المريد ، والمراد يدخل في الطاعات وقتا يجد ما يحمله على الأعمال من غير تكلف وجهد نظرا من الله تعالى له ، ثم يخرج بعد ذلك إلى علو المقامات ورفيع الدرجات.
قيل له : ما معنى المقامات؟ فقال : هي موجودة في كتاب الله تعالى في قصة الملائكة : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] وقال : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) [١٣٢] ، وقال في صفة المريد : شغل المريد إقامة الفرض والاستغفار من الذنب وطلب السلامة من الخلق. وقال سهل : إن الله عزوجل ينظر في القلوب والقلوب عنده ، فما كان أشدها تواضعا له خصه بما شاء