السورة التي يذكر فيها الأنعام
سئل عن قوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [٥٢] قال : أي يريدون وجه الله ورضاه ، ولا يغيبون عنه ساعة. ثم قال : أزهد الناس أصفاهم مطعما ، وأعبد الناس أشدهم اجتهادا في القيام بالأمر والنهي ، وأحبهم إلى الله أنصحهم لخلقه. وسئل عن العمر قال : الذي يضيع العمر. قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٥٤]. وقد حكي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليهالسلام : يا داود من عرفني أرادني ، ومن أرادني أحبني ، ومن أحبني طلبني ومن طلبني وجدني ، ومن وجدني حفظني (١). فقال داود صلوات الله عليه : إلهي ، أين أجدك إذا طلبتك؟ فقال : عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي (٢). فقال : إلهي ، أتيت أطباء عبادك للتداوي فكلهم دلوني عليك ، فبؤسا للقانطين من رحمتك ، فهل لي وجه أن تداويني؟ فقال الله عزوجل : الذين أتيتهم كلهم دلوك علي؟ فقال : نعم. قال : فاذهب فبشر المذنبين ، وأنذر الصديقين. فتحير داود فقال : يا رب ، غلطت أنا أم لا؟ قال : ما غلطت يا داود. قال : وكيف ذلك؟ قال : بشر المذنبين بأني غفور ، وأنذر الصديقين بأني غيور. فسئل : من الصديقون؟ فقال : الذين عدوا أنفاسهم بالتسبيح والتقديس ، وحفظوا الجوارح والحواس ، فصار قولهم وفعلهم صدقا ، وصار ظاهرهم وباطنهم صدقا ، وصار دخولهم في الأشياء وخروجهم عنها بالصدق ، ومرجعهم إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وقوله سبحانه وتعالى : (وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [٦٩] قال : إن الله تعالى أخذ على أوليائه التذكرة لعباده ، كما أخذ التبليغ على أنبيائه صلوات الله عليهم أجمعين. فعلى أولياء الله أن يدلوا عليه ، فمتى قعدوا عن ذلك كانوا مقصرين. قيل له : فقد رأينا كثيرا منهم
__________________
(١) ورد هذا القول منسوبا إلى عتبة الغلام في الحلية ١٠ / ٨١.
(٢) الحلية ٤ / ٣٢ ؛ وصفوة الصفوة ٢ / ٢٩٣ ؛ وفي الحلية ٢ / ٣٦٤ أنه حديث بين الله عزوجل ونبيه موسى عليهالسلام.