السورة التي يذكر فيها الحافرة (النازعات)
قوله تعالى : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) [٤] قال : يعني أرواح المؤمنين سبقت بالخير والموافقة ؛ فسبقت إلى ملك الموت بالإجابة ، شوقا إلى ربها ؛ فخرجت في أطيب ريح وأكمل سرور.
قوله تعالى : (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) [١٦] قال : جوّع موسى نفسه طاويا عابدا لله تعالى ، ثم ناداه ربه ليكون إليه أبلغ.
قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) [٣٧ ـ ٣٨] أي قال : جحد حقوق الله وكفر نعمته ، وآثر الحياة الدنيا اتباعا في طلب الشهوات ومتابعة المراد ، ثم قال : ما طلعت شمس ولا غربت على أحد إلا وهو جاهل ، إلا من يؤثر الله تعالى على نفسه وروحه ودنياه وآخرته. قيل : ما علامة بغض الدنيا؟ قال : أن تهون عليه المصائب ، حتى نفسه وولده ، كما قال مسلم بن يسار (١) حين مات ولده : يا بني ، شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ، اللهم إني قد جعلت ثوابك لي عليه له (٢) ، والثاني يهون عليه نعيم الدنيا ولو روحه ، والثالث لا يكون شيء أقرب إليه من الله عزوجل ، كقول عامر بن عبد القيس : ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله أقرب إليه مني (٣).
قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) [٤٠] قال : لا يسلم من الهوى إلا نبي وبعض الصديقين ليس كلهم ، وإنما يسلم من الهوى من ألزم نفسه الأدب ، وليس يصفو الأدب إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الصديقين ، وكذلك الأخلاق. وخرج ابن السماك (٤) يوما إلى أصحابه وقد اجتمعوا إليه فقال لهم : قد كثرت عظاتي لكم ، تريدون دوائي لكم ، قالوا : نعم. قال : خالفوا أهواءكم ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) مسلم بن يسار الأموي بالولاء (... ـ ١٠٨ ه) : فقيه ، ناسك ، من رجال الحديث. أصله من مكة. سكن البصرة ، فكان مفتيها ، وتوفي فيها. (الحلية ٢ / ٢٩٠).
(٢) نسب هذا القول إلى عمر بن ذر لما دفن ابنه ذر بن عمر ، انظر قوله في الحلية ٥ / ١٠٨ ـ ١٠٩ ؛ وتهذيب الكمال ٢١ / ٣٣٨.
(٣) نوادر الأصول ٤ / ٧٤ ، وفيه (منه) مكان (إليه مني) ، وفيه أيضا أن محمد بن واسع قال : (ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله فيه).
(٤) محمد بن صبيح بن السماك (... ـ ١٨٣ ه) : الواعظ ، الكوفي. كان في زمن هارون الرشيد. روى عنه الأعمش ، وروى عنه الإمام أحمد. (الحلية ٨ / ٢٠٣ ؛ وسير أعلام النبلاء ٨ / ٣٢٨).