(فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) ربما كان المقصود منه التطوع بالزيادة على الفدية ، بأن يعطي الزيادة على ما وجب عليه ، كما ورد في بعض الأحاديث أن الأفضل مدان من الطعام. وفسرها صاحب الميزان بإيتاء الصوم عن رضى ورغبة (١) ، لأن كلمة التطوع تعني الاختيار في مقابل الإلزام لتدلّ على الاستحباب ، بل تدلّ على الطوع في مقابل الكره ؛ وذلك بأن يأتي الإنسان به عن رغبة ورضى وقناعة. ولكن هذا خلاف الظاهر لظهور كلمة التطوع في الفعل الذي يأتي به الإنسان من دون إلزام باعتبار أن الإلزام يوحي بالضغط والكره ، بينما الاستحباب لا يوحي إلا بالتوسعة والتخفيف. وأما ما ذكره من أن استعمال الكلمة في الفعل المستحب اصطلاح جديد فهو غير دقيق ، لأن القضية ليست قضية استعمال الكلمة في المعنى ، بل استيحاء المعنى من معنى الكلمة في ما يفهم من مدلوله الواجب والمستحب.
(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الظاهر منها ـ بقرينة السياق ـ هو أنها خطاب للذين يجهدهم القضاء ، فتباح لهم الفدية لإعلامهم بأن الفدية ، وإن كانت جائزة ، إلا أن الصوم خير لهم إن كانوا يعلمون لما فيه من النتائج الروحية والعملية وهناك احتمال بأن الفقرة واردة في الحديث عن الصوم ، بأنه خير للناس في ذاته بحسب فلسفة الصوم في تشريعه من حيث المنافع الكثيرة العائدة إلى الناس ، وقد جرى أسلوب القرآن على الإتيان بهذه الفقرة بعد كل تشريع ، لما ورد في قوله سبحانه بعد ذكر وجوب صلاة الجمعة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة : ٩] وقوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [العنكبوت : ١٦].
وبهذا يبطل قول من قال : إن الصوم كان في بداية التشريع واجبا
__________________
(١) انظر : تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ١٣.