يقولون بربوبية عيسى ، أو أن الله ثالث ثلاثة ، ولكن بطريقة لا تتنافى مع التوحيد في زعمهم ، فإن المصطلح القرآني جرى على التفريق بين المشركين وأهل الكتاب في ما فصّل من أحكام ، وما أطلقه من لفظ ، فقد ورد في قوله تعالى ، في سورة البيّنة : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البيّنة : ١] وقوله تعالى ، في سورة البقرة : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة : ١٠٥] فإن العطف يدل على المغايرة بين الفريقين. وفي ضوء ذلك ، لا تدل الآية على حرمة التزاوج بين المسلمين وأهل الكتاب ، فلا بد من التماس دليل ذلك في غير القرآن ، في ما أجمع عليه المسلمون من حرمة زواج المسلمة بغير المسلم من كتابي وغيره ، وما اختلفوا فيه من زواج المسلم بالكتابية بين محلّل ومحرّم.
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة ، وهي قوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [المائدة : ٥].
وقد تبين فساد هذا القول مما ذكرناه في تحديد المراد من لفظ المشركين في القرآن وعدم شمولها لأهل الكتاب ، فلا تكون هناك علاقة بين الآيتين في مدلوليهما ، لأن آية البقرة واردة في حرمة نكاح المشركات اللاتي يشركن بالله غيره بشكل مباشر ، بينما كانت آية المائدة واردة في حلية نكاح الكتابيات دون غيرهن.
فليطلب ذلك من مظانه في الكتب الفقهية التي عالجت هذه المسائل بتفصيل. وتبقى لنا هذه الآية لتركز الخط الإيماني ، الذي تقوم عليه العلاقات