المعاصي ، وغفران كثير من المعاصي عن طريق كثير من الطاعات. وذلك كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات : ٢] وكما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٢ ـ ٣٣]. فإن المقابلة بين الآيتين تقضي بأن يكون الأمر بالإطاعة في معنى النهي عن المشاقة. كما جاء في تفسير الميزان (١).
وقد جاء عن النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إياكم والحسد ، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» (٢).
ولكن يمكن مناقشة بعض هذه الشواهد. أما الآية التي تتحدث عن رفع الصوت فوق صوت النبي ، فليست واردة في مقام بيان فعلية إحباط هذا السلوك لأعمالهم السابقة ، بل هي واردة ـ والله العالم ـ في التحذير من فعل الإساءة إلى النبي بعدم احترامه في درجة نبوته ، من خلال الاستهانة به وبأمره ونهيه ، فيقودهم ذلك إلى الابتعاد عن خط الإيمان بطريقة تلقائية لا شعورية في ما يجر بعض الأوضاع السلبية بعضا آخر ، وتؤدي بالتالي إلى لون معين من الانحراف في اتجاه آخر. ولعل قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) ، إشارة إلى ذلك من خلال الوصول إلى الكفر وما يشبه الكفر من دون شعور.
أما آية المشاقة ، فإن الظاهر من المشاقة مع الرسول ، هو ما يحصل من
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ١٧٦.
(٢) البحار ، م : ٢٥ ، ج : ٧٠ ، ص : ٣٥٧ ، باب : ١٣١ ، رواية : ٢٦.