(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (١٣٠)
____________________________________
الأرض وهى داخلة فيها دخولا أوليا (يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الذين أنتم منهم وفيه* إيذان بأن الاستعانة بالله تعالى والصبر من باب التقوى وقرىء والعاقبة بالنصب عطفا على اسم إن (قالُوا) أى بنو إسرائيل (أُوذِينا) أى من جهة فرعون (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) أى بالرسالة يعنون بذلك قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه الصلاة والسلام وبعده (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) أى رسولا يعنون به ما توعدهم* به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليهالسلام من فنون الجور والظلم والعذاب وأما ما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن كما قيل فليس مما يلحقهم بواسطته عليهالسلام فليس لذكره كثير ملابسة بالمقام (قالَ) أى موسى عليه الصلاة والسلام لما رأى شدة جزعهم* مما شاهدوه مسليا لهم بالتصريح بما لوح به فى قوله (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) الخ (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) الذى* فعل بكم ما فعل وتوعدكم بإعادته (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أى يجعلكم خلفاء فى أرض مصر (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أحسنا أم قبيحا فيجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال وفيه تأكيد للتسلية وتحقيق للأمر قيل لعل الإتيان بفعل الطمع لعدم الجزم منه عليهالسلام بأنهم هم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم فقد روى أن مصر إنما فتحت فى زمن داود عليهالسلام ولا يساعده قوله تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) فإن المتبادر استخلاف أنفس المستضعفين لا استخلاف أولادهم وإنما مجىء فعل الطمع للجرى على سنن الكبرياء (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) شروع فى تفصيل مبادى الهلاك الموعود وإيذان بأنه تعالى لم يمهلهم بعد ذلك ولم يكونوا فى خفض ودعة بل رتبت أسباب هلاكهم فتحولوا من حال إلى حال إلى أن حل بهم عذاب الاستئصال وتصدير الجملة بالقسم لإظهار الاعتناء بمضمونها والسنون جمع سنة والمراد بها عام القحط وفيها لغتان أشهرهما إجراؤها مجرى المذكر السالم فيرفع بالواو وينصب ويجر بالياء ويحذف نونه بالإضافة واللغة الثانية إجراء الإعراب على النون ولكن مع الياء خاصة إما بإثبات تنوينها أو بحذفه قال الفراء هى فى اللغة مصروفة عند بنى عامر وغير مصروفة عند بنى تميم ووجه حذف التنوين التخفيف وحينئذ لا يحذف النون للإضافة وعلى ذلك جاء قول الشاعر[دعانى من نجد فإن سنينه * لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا] * وجاء الحديث اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف وسنين كسنين يوسف باللغتين (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) بإصابة العاهات عن كعب* يأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا تمرة. قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أما السنون فكانت لباديتهم وأهل ماشيتهم وأما نقص الثمرات فكان فى أمصارهم (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) كى يتذكروا ويتعظوا* بذلك ويقفوا على أن ذلك لأجل معاصيهم وينزجروا عماهم عليه من العتو والعناد. قال الزجاج إن أحوال