(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢٤)
____________________________________
الدخول وثباته عند تحقق الشرط لا محالة وإظهارا لكمال الرغبة فيه وفى الامتثال بالأمر (قالَ رَجُلانِ) * استئناف كما سبق كأنه قيل هل اتفقوا على ذلك أو خالفهم البعض فقيل قال رجلان (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) أى يخافون الله تعالى دون العدو ويتقونه فى مخالفة أمره ونهيه وبه قرأ ابن مسعود وفيه تعريض بأن من عداهما لا يخافونه تعالى بل يخافون العدو وقيل من الذين يخافون العدو أى منهم فى النسب لا فى الخوف وهما يوشع بن نون وكالب بن يوقنا من النقباء وقيل هما رجلان من الجبابرة أسلما وسارا إلى موسى عليهالسلام فالواو حينئذ لبنى إسرائيل والموصول عبارة عن الجبابرة وإليهم يعود العائد المحذوف أى من الذين يخافهم بنو إسرائيل ويعضده قراءة من قرأ يخافون على صيغة المبنى للمفعول أى المخوفين وعلى الأول يكون هذا من الإخافة أى من الذين يخوفون من الله تعالى بالتذكير أو يخوفهم الوعيد* (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) أى بالتثبيت وربط الجأش والوقوف على شئونه تعالى والثقة بوعده أو بالإيمان وهو صفة ثانية لرجلان أو اعتراض وقيل حال من الضمير فى يخافون أو من رجلان لتخصصه بالصفة أى* قالا مخاطبين لهم ومشجعين (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) أى باب بلدهم وتقديم الجار والمجرور عليه للاهتمام به لأن المقصود إنما هو دخول الباب وهم فى بلدهم أى باغتوهم وضاغطوهم فى المضيق وامنعوهم من البروز* إلى الصحراء لئلا يجدوا للحرب مجالا (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ) أى باب بلدهم وهم فيه (فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) من غير حاجة إلى القتال فإنا قدر رأيناهم وشاهدنا أن قلوبهم ضعيفة وإن كانت أجسادهم عظيمة فلا تخشوهم واهجموا عليهم فى المضايق فإنهم لا يقدرون فيها على الكر والفر وقيل إنما حكما بالغلبة لما علماها من جهة موسى عليهالسلام ومن قوله تعالى (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أو لما علما من سنته تعالى فى نصرة رسله وما عهدا من* صنعه تعالى لموسى عليهالسلام من قهر أعدائه والأول أنسب بتعليق الغلبة بالدخول (وَعَلَى اللهِ) تعالى* خاصة (فَتَوَكَّلُوا) بعد ترتيب الأسباب ولا تعتمدوا عليها فإنها بمعزل من التأثير وإنما التأثير من عند* الله العزيز القدير (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أى مؤمنين به تعالى مصدقين لوعده فإن ذلك مما يوجب التوكل عليه حتما (قالُوا) استئناف كما سبق أى قالوا غير مبالين بهما وبمقالتهما مخاطبين لموسى عليهالسلام* إظهارا لإصرارهم على القول الأول وتصريحا بمخالفتهم له عليهالسلام (يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) أى* أرض الجبابرة فضلا عن دخول بابهم وهم فى بلدهم (أَبَداً) أى دهرا طويلا (ما دامُوا فِيها) أى فى أرضهم* وهو بدل من أبدا بدل البعض أو عطف بيان (فَاذْهَبْ) الفاء فصيحة أى فإذا كان الأمر كذلك فاذهب