(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (١٦٤)
____________________________________
وقوله تعالى (دِيناً) بدل من (إِلى صِراطٍ) فإن محله النصب كما فى قوله تعالى (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أو* مفعول لفعل مضمر يدل عليه المذكور (قِيَماً) مصدر نعت به مبالغة والقياس قوما كعوض فأعل لإعلال* فعله كالقيام وقرىء قيما وهو فعيل من قام كسيد من ساد وهو أبلغ من المستقيم باعتبار الزنة وإن كان هو أبلغ منه باعتبار الصيغة (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) عطف بيان لدينا (حَنِيفاً) حال من إبراهيم أى مائلا عن الأديان* الباطلة وقوله تعالى (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) اعتراض مقرر لنزاهته صلىاللهعليهوسلم عما عليه المفرقون لدينه من* عقد وعمل أى ما كان منهم فى أمر من أمور دينهم أصلا وفرعا صرح بذلك ردا على الذين يدعون أنهم على ملته عليهالسلام من أهل مكة واليهود والمشركين بقولهم عزيز ابن الله والنصارى المشركين بقولهم المسيح ابن الله (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) أعيد الأمر لما أن المأمور به متعلق بفروع الشرائع وما سبق بأصولها أى عبادتى كلها وقيل وذبحى جمع بينه وبين الصلاة كما فى قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وقيل صلاتى وحجى (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) أى وما أنا عليه فى حياتى وما أكون عليه عند موتى من الإيمان والطاعة* أو طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير وقرىء محياى بسكون الياء إجراء للوصل مجرى الوقف (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (لا شَرِيكَ لَهُ) خالصة له لا أشرك فيها غيره (وَبِذلِكَ) إشارة إلى الإخلاص وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته فى الفضل أى بذلك الإخلاص (أُمِرْتُ) لا بشىء* غيره وقوله تعالى (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) لبيان مسارعته عليهالسلام إلى الامتثال بما أمر به وأن ما أمر به* ليس من خصائصه عليهالسلام بل الكل مأمورون به ويقتدى به عليهالسلام من أسلم منهم (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) آخر فأشركه فى العبادة (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) جملة حالية مؤكدة للإنكار أى والحال أن كل* ما سواه مربوب له مثلى فكيف يتصور أن يكون شريكا له فى المعبودية (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) * كانوا يقولون للمسلمين اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم إما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم وإما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا فهذا رد له بالمعنى الأول أى لا تكون جناية نفس من النفوس إلا عليها ومحال أن يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر حتى يتأتى ما ذكرتم وقوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ردله بالمعنى الثانى أى لا تحمل يومئذ نفس حاملة حمل نفس أخرى حتى يصح قولكم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى الكل لتأكيد الوعد* وتشديد الوعيد أى إلى مالك أموركم ورجوعكم يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ) يومئذ (بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) * ببيان الرشد من الغى وتمييز الحق من الباطل.