(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١٠)
____________________________________
ببيان علو شأن الآيات وصعوبة منالها وتعاليها من أن تكون عرضة للسؤال والاقتراح وأما ما قيل من أن المعنى إنما الآيات عند الله تعالى لا عندى فكيف أجيبكم إليها أو آتيكم بها وهو القادر عليها لا أنا حتى آتيكم بها فلا مناسبة له بالمقام كيف لا وليس مقترحهم مجيئها بغير قدرة الله تعالى وإرادته حتى يجابوا بذلك وقوله تعالى (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) كلام مستأنف غير داخل تحت الأمر مسوق* من جهته تعالى لبيان الحكمة الداعية إلى ما أشعر به الجواب السابق من عدم مجىء الآيات خوطب به المسلمون إما خاصة بطريق التلوين لما كانوا راغبين فى نزولها طمعا فى إسلامهم وإما معه صلىاللهعليهوسلم بطريق التعميم لما روى عنه صلىاللهعليهوسلم من الهم بالدعاء وقد بين فيه أن أيمانهم فاجرة وإيمانهم مما لا يدخل تحت الوجود وإن أجيب إلى ما سألوه وما استفهامية إنكارية لكن لا على أن مرجع الإنكار هو وقوع المشعر به بل هو نفس الإشعار مع تحقق المشعر به فى نفسه أى وأى شىء يعلمكم أن الآية التى يقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون بل يبقون على ما كانوا عليه من الكفر والعناد أى لا تعلمون ذلك فتتمنون مجيئها طمعا فى إيمانهم فكأنه بسط عذر من جهة المسلمين فى تمنيهم نزول الآيات وقيل لا مزيدة فيتوجه الإنكار إلى الإشعار والمشعر به جميعا أى أى شىء يعلمكم إيمانهم عند مجىء الآيات حتى تتمنوا مجيئها طمعا فى إيمانهم فيكون تخطئة لرأى المسلمين وقيل أن بمعنى لعل يقال ادخل السوق أنك تشترى اللحم وعنك وعلك ولعلك كلها بمعنى ويؤيده أنه قرىء لعلها إذا جاءت لا يؤمنون على أن الكلام قدتم قبله والمفعول الثانى ليشعركم محذوف كما فى قوله تعالى (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) والجملة استئناف لتعليل الإنكار وتقريره أى أى شىء يعلمكم حالهم وما سيكون عند مجىء الآيات لعلها إذا جاءت لا يؤمنون بها فما لكم تتمنون مجيئها فإن تمنيه إنما يليق بما إذا كان إيمانهم بها محقق الوجود عند مجيئها لا مرجو العدم وقرىء إنها بالكسر على أنه استئناف حسبما سبق مع زيادة تحقيق لعدم إيمانهم وقرىء لا تؤمنون بالفوقانية فالخطاب فى (وَما يُشْعِرُكُمْ) للمشركين وقرىء وما يشعرهم أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون فمرجع الإنكار إقدام المشركين على الإقسام المذكور مع جهلهم بحال قلوبهم عند مجىء الآيات وبكونها حينئذ كما هى الآن (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) عطف على لا يؤمنون داخل فى حكم ما يشعركم مقيد بما قيد به أى وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم عن إدراك الحق فلا يفقهونه وأبصارهم عن اجتلائه فلا يبصرونه لكن لا مع توجهها إليه واستعدادها لقبوله بل لكمال نبوها عنه وإعراضها بالكلية ولذلك أخر ذكره عن ذكر عدم إيمانهم إشعارا بأصالتهم فى الكفر وحينما لتوهم أن عدم إيمانهم ناشىء من تقليبه تعالى مشاعرهم بطريق الإجبار (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) أى بما جاء من الآيات (أَوَّلَ مَرَّةٍ) أى عند ورود الآيات السابقة والكاف فى محل* النصب على أنه نعت لمصدر محذوف منصوب ب (لا يُؤْمِنُونَ) وما مصدرية أى لا يؤمنون بل يكفرون كفرا كائنا ككفرهم أول مرة وتوسيط تقليب الأفئدة والأبصار بينهما لأنه من متممات عدم إيمانهم (وَنَذَرُهُمْ) * عطف على (لا يُؤْمِنُونَ) داخل فى حكم الاستفهام الإنكارى مقيد بما قيد به مبين لما هو المراد بتقليب الأفئدة