(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٢)
____________________________________
والضمير المجرور لما يوحى أو لما دل هو عليه من القرآن والمفعول الثانى للإنذار إما العذاب الأخروى المدلول عليه بما فى حيز الصلة وإما مطلق العذاب الذى ورد به الوعيد والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة* عن المالكية المطلقة والتصرف الكلى لتربية المهابة وتحقيق المخافة وقوله تعالى (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) فى حيز النصب على الحالية من ضمير يحشروا ومن متعلقة بمحذوف وقع حالا من اسم ليس لأنه فى الأصل صفة له فلما قدم عليه انتصب حالا خلا أن الحال الأولى لإخراج الحشر الذى لم يقيد بها عن حيز الخوف وتحقيق أن ما نيط به الخوف هو الحشر على تلك الحالة لا الحشر كيفما كان ضرورة أن المعترفين به الجازمين بنصرة غيره تعالى بمنزلة المنكرين له فى عدم الخوف الذى عليه يدور أمر الإنذار وأما الحال الثانية فليست لإخراج الولى الذى لم يقيد بها عن حيز الانتفاء لفساد المعنى لاستلزام ثبوت ولايته تعالى لهم كما فى قوله تعالى (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) بل لتحقيق مدار خوفهم وهو فقدان ما علقوا به رجاءهم وذلك إنما هو ولاية غيره سبحانه وتعالى فى قوله تعالى (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) والمعنى أنذر به الذين يخافون أن يحشروا غير منصورين من جهة أنصارهم على زعمهم ومن هذا اتضح أن لا سبيل إلى كون المراد بالخائفين المفرطين من المؤمنين إذ ليس لهم ولى سواه تعالى ليخافوا الحشر بدون نصرته وإنما الذى يخافونه الحشر بدون* نصرته عزوجل وقوله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) تعليل للأمر أى أنذرهم لكى يتقوا الكفر والمعاصى أو حال من ضمير الأمر أى أنذرهم راجيا تقواهم أو من الموصول أى أنذرهم مرجوا منهم التقوى (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) لما أمر صلىاللهعليهوسلم بإنذار المذكورين لينتظموا فى سلك المتقين نهى صلىاللهعليهوسلم عن كون ذلك بحيث يؤدى إلى طردهم روى أن رؤساء من المشركين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لو طردت هؤلاء الأعبد وأرواح جبابهم يعنون فقراء المسلمين كعمار وصهيب وخباب وسلمان وأضرابهم رضى الله تعالى عنهم جلسنا إليك وحادثناك فقال صلىاللهعليهوسلم ما أنا بطارد المؤمنين فقالوا فأقمهم عنا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت قال صلىاللهعليهوسلم نعم طمعا فى إيمانهم. وروى أن عمر رضى الله تعالى عنه قال له عليه الصلاة والسلام لو فعلت حتى ننظر إلى ما يصيرون وقيل إن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدى والحرث بن نوفل وقرصة بن عبيد وعمرو بن نوفل وأشراف بنى عبد مناف من أهل الكفر أتوا أبا طالب فقالوا يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمدا يطرد موالينا وحلفاءنا وهم عبيدنا وعتقاؤنا كان أعظم فى صدورنا وأدنى لاتباعنا إياه فأتى أبو طالب إلى النبى صلىاللهعليهوسلم فحدثه بالذى كلموه فقال عمر رضى الله عنه لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذى يريدون وإلى ما يصيرون وقال سلمان وخباب فينا نزلت هذه الآية جاء الأقرع بن حابس التميمى وعيينة بن حصن الفزارى وعباس بن مرداس وذووهم من المؤلفة قلوبهم