رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله : فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم جثوا على الركب ، وقالوا يا رسول الله : كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة ، والصيام ، والجهاد ، والصدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية ، ولا نطيقها. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم ؛ سمعنا وعصينا؟. بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير». فلما أقر بها القوم ، وذلت بها ألسنتهم ، أنزل الله في أثرها : (آمَنَ الرَّسُولُ ...) إلى آخر الآيتين. فلما فعلوا ذلك نسخها الله.
وكما قلنا سابقا ، إن كلمة النسخ هنا كلمة اصطلاحية. تفيد البيان المقيد ، لا أكثر. ولذلك نجد روايات عن ابن عباس تفيد النسخ ، وروايات تفيد عدم النسخ. لأن الأمر كما ذكرنا. وممن روي عنه عدم النسخ : مجاهد ، والضحاك ، والحسن البصري. واختاره ابن جرير. واحتج على أنه لا يلزم من المحاسبة ، المعاقبة. وأنه تعالى قد يحاسب ؛ ويغفر. وقد يحاسب ؛ ويعاقب : بالحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «يدنو المؤمن من ربه عزوجل حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بذنوبه. فيقول له : هل تعرف كذا؟. فيقول : رب أعرف ، أعرف. حتى إذا بلغ ما شاء الله أن يبلغ ، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا. وإني أغفرها لك اليوم قال : فيعطى صحيفة حسناته ، أو كتابه بيمينه. وأما الكفار ، والمنافقون ، فينادى بهم على رؤوس الأشهاد : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (سورة هود).
٧ ـ من الأحاديث التي تدل على أن الله لا يحاسب على ما دون العزم ما رواه أصحاب الكتب الستة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل». وهذا في الخطرة الآثمة إذا رفضها القلب. أما إذا قبلها القلب ، وعزم على فعلها ، فالجمهور على أنه يأثم بذلك. ولكنه إن تركها لله ، فإن الله يأجره على ذلك. روى مسلم عن ابن عباس ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يروي عن ربه تعالى قال : «إن الله كتب الحسنات ، والسيئات. ثم بين ذلك. فمن هم بحسنة ، فلم يعملها ، كتبها الله عنده حسنة كاملة. وإن هم بها فعملها ، كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة. وإن هم بسيئة ، فلم يعملها ، كتبها الله عنده حسنة. وإن هم بها فعملها ، كتبها الله عنده سيئة واحدة».