ثم ندب الله عزوجل إلى أكثر من ذلك. وهو أن يترك الدائن رأس المال بالكلية. ووعد على الوضع عنه ، الخير والثواب الجزيل. وفي الآية الأخيرة في الفقرة ، يعظ الله عباده ويذكرهم زوال الدنيا ، وفناء ما فيها من الأموال ، وغيرها. والمصير إلى الآخرة والرجوع إليه تعالى ، ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا ، ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر ، ويحذرهم عقوبته.
المعنى الحرفي :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أي : يا أيها الذين آمنوا ، خافوا الله ، واتركوا بقايا الربا ، ولا تطالبوا بها. فإذا كانت بقايا الربا قبل التحريم يجب أن تترك. فمن باب أولى أن تستأصل معاني الربا ، وألا تستأنف أبدا. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : إن كنتم مؤمنين ، كاملي الإيمان ، فإن دليل كماله ، امتثال المأمور به. (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا.) أي : فإن لم تتركوا بقايا الربا. (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) : أي : فاعملوا مستيقنين بحرب الله ، ورسوله. وإنما قال بحرب من الله ورسوله ، ولم يقل بحرب الله ورسوله ، لأن الأول أبلغ. لأن المعنى : فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله ورسوله. (وَإِنْ تُبْتُمْ) : من ممارسة الربا. (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) المديونين بطلب الزيادة عليها. (وَلا تُظْلَمُونَ) : بالنقصان منها.
فوائد :
١ ـ ذكر زيد بن أسلم أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير بن ثقيف ، وبني المغيرة ، من بني مخزوم. كان بينهم ربا في الجاهلية. فلما جاء الإسلام ، ودخلوا فيه ، طلبت ثقيف أن تأخذه منهم. فتشاوروا ، وقالت بنو المغيرة : لا نؤدي الربا في الإسلام بكسب الإسلام. فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية. فكتب بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ.) فقالوا : نتوب إلى الله ، ونذر ما بقي من الربا. وذكر هذا ابن جريج ومقاتل وابن حبان والسدي.