إن الظن السوء بين المؤمنين مع بعض يجانب روح الأخوة الإيمانية ، ما يترتب عليه الآثار السوء ، دون واقع الإدراك النفساني المجرد المفاجئ للإنسان دون اختيار ، اللهم إلا إذا استطاع ترويض نفسه على ترك هكذا إدراك سوء أيضا ، أن يعيش الظنّ الخير ، إذا غلب الخير على المؤمنين ، أو اللّاظن لا خيرا ولا شرا إذا غلب الفساد ، كل ذلك توقيا عما يتوقع من الوقوع في الإثم ، ضابطة وقائية لكرامة المؤمنين مع بعض : ترك الظن السوء قدر الإمكان ، اللهم إلا قليلا يملك فيه دليلا قاطعا ، لكنه لا يملّك التجسس عنه بغية التأكد منه ، أو إذا تأكد أن يفشيه : (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ..) فالتجسس التتبع عن مساوئ المؤمنين محرم ، والتجسس التتبع عن محاسنهم هو قضية الايمان.
فذلك سياج آخر فوق المسبقة ، حول حرمات المؤمنين ، يتخطى الواقع الخارجي من المعاملة السوء ، الى المشاعر والظنون تنظيفا لها وتنزيها عن أن يظن بالمؤمنين سوء ، وما أروح الحياة في مجتمع بريء من الظنون ، طمأنينة لا تتعكر بقلق ، فلا يؤخذ ـ إذا ـ مؤمن بظنة ، ولا يحاكم بريبة.
تلك الروح النظيفة العالية هي نبراسة الحياة الايمانية ، وهي متراسة النكبات اللّاإيمانية ، وعلى حد المروي عن إمام المتقين علي عليه السّلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا» (١) وذلك «إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم يظهر منه حوبة فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله ثم أحسن رجل الظن برجل فقد غرر» (٢) بل يترك هنا لك الظن سوءا وحسنا ، دون أن تنفصم ضابطة الآية (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) غلب
__________________
(١) اصول الكافي باسناده عن الحسين بن مختار عن أبي عبد الله (ع) قال قال امير المؤمنين (ع) : ..
(٢) السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة عن امير المؤمنين علي عليه السلام : ..