بعد طغواهم بالتقوى في هذه المهلة ، توبة الى الله ليتوب عليهم ، لكنهم عتوا بعد ما طغوا : نشزوا ونبوا ، رغم انهم ندموا بعد عقرهم (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) (٢٦ : ١٥٧) ولكنهم لم يتوبوا ويستغفروا رغم ما أمروا وأمهلوا! (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٢٧ : ٤٦)(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) ـ (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٦٩ : ٥)(وَهُمْ يَنْظُرُونَ) الى الصاعقة الطاغية كيف تأخذهم بطغواهم ، فيا لهم من طغواهم!
(فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) : من قيام : لا عن مواضعهم من وطأة الواقعة ، ولا عن قريتهم فرارا عن الصاعقة ، ولا قياما في مكافحة الصاعقة ، ولا فيما يردها على اعقابها بتوبة ؛ إذ مضى وقتها ، (وَما كانُوا) في حالتهم الطاغية «منتصرين» من الريح والصاعقة الطاغية ولا على طغواهم بالتوبة و (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
(وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) : وأهلكنا قوم نوح ، اذكر قوم نوح ، من قبل هؤلاء الأقوام. أهلكناهم لأنهم كانوا قوما فاسقين : خارجين عن طاعة الله ، فإهلاكهم كذلك آية وكما بقيت على شيء من انقاض السفينة حتى الآن : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (٢٩ : ١٥)(١).
(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) السماء منصوبا بالمفعولية معطوف على الآيات المسبقة ، الآفاقية والأنفسية «وفي الأرض .. وفي أنفسكم» ففي بناءها وتوسيعها آيتان من آي القدرة والرحمة الإلهية ، تتأيدان بتقدم العلم ، ولا سيما الثانية : ان المملكة السماوية في توسع دائم ، فاسم الفاعل موسعون ولا سيما بتاكيديه : (نا) (ل) يوحي بدوام التوسيع : (نظرية التوسعة)!.
ترى إن اتساع مملكة السماء يعم طباقها السبع أيضا ، كما يعم أجواءها وكراتها ، ولتصبح ثماني او اكثر؟ وقد لا تنافيه الآيات المستعرضة لخلقها سبعا لأنها في عرض
__________________
(١) راجع ج ٢٩ : ٩٠ تجد فيها بشارة محمدية باللغة الآرامية على لوحة من سفينة نوح.