رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (٥٤ : ١٠) وهو لله نصر غالب عزيز ، فالتعزير هو النصر العزيز لغالب كما الله ، او مغلوب كالمكرمين من عباد الله دون الذليل ، ومطلق النصر يشمل النصر الذليل كما يشمل العزيز غالبا ومغلوبا.
والتوقير هو التعظيم اللائق بمقام العظيم : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (٧١ : ١٣) فتوقير الله هو تعظيمه كما يحق له في ساحة الالوهية ، وتوقير الرسول تعظيمه على حده وحدود رسالته ، فلو سويت بين الله وبين احد من خلقه لما وقرته فانه ضلال مبين : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) وان كان المسوى به رسول رب العالمين.
ومن ثم ـ بعد الايمان بالله ورسوله ، وتعزير الله وتوقيره ، ياتي دور دوار التسبيح مراسا له ليل نهار بكل حراس واكتراس : (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) : لا خصوص البكرة والأصيل ، ثم إهمالا في البين ، إنما توصيل الأصيل بالبكرة والبكرة بالاصيل ، ان يعيشوا حياتهم ليل نهار في تسبيح العزيز الغفار ، وانه يشمل تسبيح الصلوات واجبات ومندوبات وسواها من تسبيحات.
ف (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ـ إذا ـ هي كناية عن اليوم كله ، فان طرفي النهار يضمان ما بينهما من آونات ، اتصالا للقلب بالله على أية حال ، كثمرة نهائية للايمان بالله ورسوله ، وهذه الحالة التجردية الراقية هي التي تفتح طريقا للسالك الى مبايعة الرضوان :
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)
المبايعة هنا هي مبايعة شجرة الرضوان في صلح الحديبية : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)(١٨).