إلا من يتحبب له بعد ما حببه الله اليه ، وقبل هذا وذاك لا تحبّب ولا تزين بالايمان حتى يكره الكفر والفسوق والعصيان فيكرهها وقد فعل :
(وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) فالكفر مقابل الايمان ، والفسوق خروج عما يقتضيه الايمان من طاعة الى تخلف ، فهو إذا سبب موصل الى العصيان ، وقد كره الله لنا هذا الثالوث المنحوس مع ما حبب إلينا الايمان ، (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) إذ لا جبر ولا تفويض بل امر بين أمرين ، فمن يختار الايمان زاده الله ايمانا على ايمان ، ومن يختار الكفر والفسوق والعصيان ختم الله على قلبه بطابع اللاايمان ، فآية تحبيب الايمان لا تجعل كل المخاطبين من المؤمنين غير العاصين ، او قد جمعت بينهم كلهم في ذلك ترغيبا وتشويقا وتوحيدا لصفوف الايمان ، لا أنهم كلهم بالغون تلك الدرجة من الايمان ، وانما الله ينبههم بما فعل فناظر ماذا يفعلون ، وهم درجات في ايمانهم كما ان سواهم دركات في كفرهم وفسوقهم وعصيانهم ، و «أولئك» الأكارم المؤمنون (هُمُ الرَّاشِدُونَ) الذين رشدوا في صراط الحق ، لا بحول وقوة منهم فقط ـ وانما :
(فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) : عليم بعجزكم ، حكيم في فضله لكم ،: (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢ : ٦٤) (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤ : ٨٣) (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) (٢٤ : ٢١).
هذا طرف من ادب الإصلاح فيما يفسد بينكم من فرية سوء ام ماذا ، استصلاحا لما بينكم ، ومن ثم تنتقل المسؤولية الى الإصلاح في معارك اخرى كما بين أخويكم :
(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)