ذلك من معين الرحمة أمعن مما مضى وأمتن ، إذ «صام وصلى حتى انتفخت قدماه وتعبد حتى صار كالشن البالي فقيل له أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا» (١) وليست شاكرية العبد في عبادته بالتي تجعله كالشن البالي ومتورم القدمين ، لو كان غفر ما تأخر من ذنبه ، عفوا عن مطلق عصيانه ، كضمان له فيما يأتي كما ضمن ما مضى ، إلا عند من غرب عقله وعزب لبّه! .. وإنما زاد في شكره لربه لنعمة الفتح المبين.
(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) وهذه هي الدعامة الثانية لعرش الدولة الإسلامية : «إتمام النعمة» فإن النعمة ابتدأت بالإسلام منذ بزوغه ، ولكنها كانت سجالا : خليطة بالغمة للأمة والنقمة لرسول الأمة ، إذ كانت الغوائل من هنا وهناك تترى عليه وعليهم تباعا تلو بعض ، وإن كانت في المدينة أقل.
إنه كان نعمة التأليف والوحدة فأكملت بفتح مكة الذي وحد الجزيرة عن
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٧١ ـ اخرج ابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن أبي هريرة ان النبي (ص) لما نزلت (إِنَّا فَتَحْنا ..) صام و ..
ومن طريق اهل البيت عن الامام الرضا عليه السلام في جوابه للمأمون إذ سأله : يا ابن رسول الله (ص)! أليس من قولك ان الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ـ قال : فما معنى قول الله ـ الى ان قال ـ : فأخبرني عن قول الله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)؟ قال الرضا (ع) : لم يكن احد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول الله (ص) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما فلما جاءهم بالدعوة الى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا اجعل الآلهة إلها واحدا ... فلما فتح الله على نبيه مكة قال له يا محمد! (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) عند مشركي أهل مكة بدعاءك توحيد الله فيما تقدم وما تأخر ، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد إذا دعى الناس اليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن (ع)!.