آخرها ثم إلى غيرها : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) (٣ : ١٠٣).
وكان نعمة الغلبة أحيانا وسجالا فأصبحت الآن تامة لا تفسح لأحد مجالا في حربهم: (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) (٥ : ١١) وأما الآن فلا ايدي معادية تبسط او تهم ، إذ قطعت بفتح مكة ، ومن قبل كانت تهم وتبسط ، وان كانت تكف بجنود إلهية غير مرئية أم ماذا : (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (٣٣ : ١٠) كما كان يوم الأحزاب.
وأخيرا إكمال الدين أحكاميا ، وتخليدا للدولة الإسلامية بتأبيد زعامة سليمة تقطع طموح من كانوا يتحينون فرصة الانقلاب بموت الرسول ، تخليدها بذلك الانتصاب الكبير يوم الغدير ، راجعا عن حجة الوداع : (.. الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ...) (٥ : ٣) إكمالا في جانبي الشريعة وزعامتها الخالدة ، فيأسا للذين كفروا من إفنائها أو اغتصاب واحتلال زعامتها ، اللهم إلا تدخلا جانبيا لا يجتثها من جذورها ، إلا أن يخرجوا عن الدين ، ولكنه مدعم بهاتين الدعامتين مهما تركته حملته ، فبناية الدعوة مدعمة بما يضمن بقاءها كما فعل الله ، ولكنها لا تضمن إلا لمن تضمنها كما أراد الله ، ثم تتهدم في نفوس صغار صغار لا يتضمنونها ، وهي باقية في كتاب الدعوة ، في ضمير الكون وعمقه! مجالا واسعا لمن يتحملون ويتضمنون : تطبيقا لها بزعامتها السليمة كما بدأت بالبشير النذير ، وكما تخلدت يوم الغدير.