وما تأخر ، انها عساكر أقوياء أمناء تذود عن ساحة الرسول وصمة العصيان ، وتختصه بأفضل مراحل الرسالة والايمان!
إن الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كان بهذا المعنى ـ من أذنب الخلق ، ذنب العصيان عن ميول الطغاة بما جاء به في دعوته الباهظة لأهوائهم ، الجاهزة لاجتثات جذورهم ، الدافعة عن حوزة الإسلام ، التي ارغمتهم وحطتهم عن جبروتهم وطاغوتهم.
وما استعمال الذنب كثيرا في موارد العصيان (١) بالذي يحوله دوما إلى العصيان ، كما الإنسان لو استعمل كثيرا في الأشرار ، لا يحول ذلك دون استعماله في الأخيار ، وانما يتبع القرائن في مواردها ، فيعطى الحق في معاني هذه الألفاظ كما تعنى.
(.. ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) فما كانوا يكمنون له من قبل ومن بعد صار مبتورا بالفتح ، وما أصابوه من قبل أو أرادوه من بعد صار مجبورا بالفتح ، فأصبح الفتح له مفتاحا محبورا لكل فتح.
ورغم ما فسر به الجاهلون ذنب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أخذ بعد الفتح في تعبده لربه أكثر مما مضى ، فلو كان هو ذنب العصيان لعكس أمر الطاعة وتساهل عنها إذ غفر له ما تأخر كما تقدم ، لكنه كان يجيب السائلين : «أفلا أكون عبدا شكورا»؟ تفسيرا لذنبه خلاف ما فسروه واستغلوه ، وتبكيتا لمن يستغل سوء التفسير ذريعة للإباحية واللامبالات ، كلا فإنه صلّى الله عليه وآله وسلّم استفاض بعد
__________________
(١) الحق أن تفسر لغات القرآن كما كانت تعنى منها وقت النزول ، حيث اللغات قد تجر معها معاني اخرى على طول الزمن وتختلف الاستعمالات ، وقد ذكر الذنب في القرآن بمختلف الصيغ ٣٧ مرة والذنب مرتين وهذا هو اصل الذنب كما عن الراغب في غريب القرآن ، والاول قد يعنى منه الطاعة او المعصية وقد تعمهما ، وكل حسب القرائن الدالة ، وما المستعمل في العصيان هنا اكثر من غيره مهما كانت الاكثرية الساحقة تعنى العصيان في غير القرآن.