وسخروا منه وممن يؤمن به ، وآذوه ما لم يؤذ أحد من البنين : ضربوه وأدموه وكسروا رباعيته وحاصروه وأهليه والمؤمنين ، ثم اضطروه للهجرة من عاصمة الرسالة الى ما هاجره ، وإن كان أسس فيها دولة الإسلام فأصبحت مبدأ التاريخ ومنطلق الدولة.
فهل من غفر لهذا الذنب ، وصدّ لهذا الطغيان ، وحدّ لذلك البأس الدائب إلا فتح العاصمة ، إذ فتحت به حصون الضلالة ، فلم تبق بعد في الجزيرة أية قائمة من قوائم الشرك والإلحاد ، ومن ثم انتشرت وتوسعت دولة الإسلام من عاصمتها أم القرى ، الى كل القرى.
فقد كان للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كرسول ذنب واحد ، ومن ثم غفر واحد ، فذنبه الوحيد رسالته العالمية الخالدة ، الأكيدة الوطيدة ، وهي التي عاشها وعاشته «ما تقدم» على فتح مكة (وَما تَأَخَّرَ) عن فتح مكة ، لكنها كانت محظورة مخطورة قبله ، فأصبحت مغفورة مستورة بعده ، غفر الإزالة للتبعات ممن آمن ، وغفر الستر لها لمن أسلم منافقا ألا تظهر رغم كامنه ، وغفر الجبران عما سلف من كل ما أصابه قبل الفتح ان يتناساه الرسول ويستهينه وجاه الفتح المبين.
فأصبحت هذه الرسالة محفوظة عن كيد الكائدين بذلك الفتح المبين ، ذنب واحد فتحه فتح واحد : ذنب بوحدته يشمل كل ذنب : فرسالته ودعوته ودعايته وهو بجملته ، كان ذنبا كله بحساب الكافرين ، فأصبح الفتح المبين غفرا له كله «ما تقدم وما تأخر» : فتحا لقوائم الإسلام الأربع : «ليغفر .. ويتم .. ويهديك .. وينصرك ..».
ومن قبل كانت تنزل عليه آيات تترى بهذا الشأن ، آمرة له بالصبر : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (٤٦ : ٣٥) (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (٦٨ : ٤٨) (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ