الحياة الرسالية أو حياة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) كائن معه عائش إياه قبل الفتح وبعده ، وحتى بعد غفره له ، فما هذا العصيان العظيم الذي عاشه الرسول دون استغفار ، ما أعظمه وأطوله وأعضله ، لحد لا يغفر إلا بفتح مكة دونما أية صلة بينه وبينه؟!
ثم ولا تجد أيّ عاص في العالمين يعيش عصيانا لربه دون مهل حتى المشركين ، فهل ينسب هكذا عصيان إلى أفضل الخلق أجمعين ، فما أخطأه تفسيرا وألعنه بحق أوّل العابدين!
في الحق ان الذنب كذنب ليس عصيانا ولا أي خطأ ولا تركا للأولى ، فهو لغويا في الأصل الأخذ بذنب الشيء ، ويستعمل في كل ما يستوخم عقباه ، فإن كانت هي عقبى الآخرة فشر عصيان وأعضله ، أو كانت هي عقبى الدنيا فخير طاعة وأفضله ، إذا كانت عقبى يستوخمها أهل الدنيا ، ممن يحاربون دعاة الحق ، فالرسالة الإلهية هي أخطر ذنب ، إذ تستوخم عقبى الدنيا ، وتجند الطاقات الشيطانية ضد صاحب الرسالة ، يرصدون كل مرصد لخفق صوتها ومحق صيتها.
فكلما كانت الرسالة أشمل ، وصاحبه أصمد وأنبل ، كان ذنبها : تبعتها وعقابها في الدنيا ، أشكل وأعضل ، كما والحفاظ عليها ، وصدّ العراقيل عنها ، وغفر ذنبها ـ طبعا ـ أصعب وأفضل.
والرسالة الإسلامية هي أشمل الرسالات في الطول التاريخي والعرض الجغرافي ، وحاملها أسمى وأنبل حملة الرسالات ، وانها تشكل خطرا حاسما لجذور الكفر والطغيان ، مما يبعث العصاة والطغاة ان يجندوا كافة الطاقات لإماتتها في نطفتها ، وإماطتها وحطّها عن درجتها وفاعليتها ، وقد فعلوا ما فعلوا ، وافتعلوا ما افتعلوا ، فرموه بالسحر والشعر والكهانة والجنون،