أم إنه الينابيع للأغلبية الساحقة من تروية الأرض بها ولا حصر هنا ينافي تروّيها بالأمطار ، ولكنه لا يناسب إفراد الضمير إلّا بتأويل ماء الينابيع وهو عليل.
وهل إن «زرعا» يخص نبتا على غير ساق؟ وهو يخرج كلّ نبت بساق ودون ساق! والزرع لغويا هو مطلق الإنبات! إلّا أن في مقابلته بالأشجار دليلا على اختصاصه بغير الأشجار كما في آيات عدة (١) ولكنه دون مقابل قد يعم الأشجار ، كالظرف والمجرور إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، اللهم إلّا الأشجار حيث لا تعم النبت دون ساق ، وعلى أية حال فلا ريب في أغلبية استعمال الزرع في غير الأشجار ولكن قرينة الموقع هنا وعدم اختصاص اللغة بغير الأشجار يعمانه للأشجار ، ولكنما الموقع يخصصه مهما عمّت اللغة لمكان الهيج والاصفرار والحطام المتواصل ولا يناسب إلّا غير الأشجار (زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) بماء واحد وتراب واحد مهما اختلف الحب والنوى ، أفلا يدل ذلك على تصميم قاصد من إله واحد؟ (ثُمَّ يَهِيجُ) يجف لحد النهاية في اليبوسة (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) بعد اخضرار (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) : فتاتا من تبن وحشيش : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (١٨ : ٤٥).
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) تذكرهم بحكمة واقتدار ورحمة متواصلة ، وأن الدنيا دار بلاء وامتحان وممرّ الى مقر فخذوا من ممركم لمقركم ، وان الموت هو النهاية ، ومن ثم حياة ، كما الزرع يموت ثم يحيى
__________________
(١) «يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ» ١٦ : ١١ «وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ» ١٣ : ٤ «جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ» ٦ : ١٤١ «وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً» ١٨ : ٣٢ «وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ» ٢٦ : ١٤٦.