(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٢٣).
أترى تدافعا بين هذه التي تحكم بكون الكتاب متشابها كله ، وبين التي تعمّم الإحكام له كله : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١١ : ١) وثالثة هي آية التقسيم : (... مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ...) (٣ : ١)؟ (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)!
الإحكام والتشابه أمران نسبيان ، فالقرآن محكم كله قبل تفصيله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (٣١ : ٢) ـ (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ...) فهو إحكام وجاه تفصيل وقبله ، ثم وحكيم كله جملة وتفصيلا : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) (٥٤ : ٥) (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) حكمة في كيانه أيا كان وأيان ، في تفصيله وقبله ، في لفظه ومعناه ومغزاه ، في بلاغه وبلوغه وحكمه ، وفي أي حقل من حقوله ، دون أن يتسرب إليه أمر غير حكيم ، أو يتدخل فيه حكيم أو غير حكيم ، فحكمة القرآن هي أفضل برهان على رسالة من جاء به (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ...)!
ثم وهو متشابه كله ـ وجاه التهافت والتدافع ـ تشابه المثاني : المعاطف ، عطفا لبعض على بعض ، وانعطافا مع بعضه البعض ، حيث يفسر بعضه بعضا وينطق بعضه على بعض ويشهد بعضه لبعض.
__________________
ـ وآله وسلم) قال : يورث القسوة في القلب ثلاث خصال حب الطعام وحب النوم وحب الراحة.