وليس هنا ـ أولا وأخيرا ـ إلّا حكمه بما حكم حسب الدعوى : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) وما تيقن الفتنة فما تأكد ـ إذا ـ من الخطيئة «فخر راكعا» لاحتمال أنه خطيئة «وأناب» لو أنها بعّدته عن زلفاه (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) سترا لما ظنه ، وعلّه ستر لأصل الظن دون المظنون إذ لم يكن خطيئة ، وقد تلمح له تعقيبه (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) فبمجرد ظن الفتنة يزدلف إلى ربه ويئوب! ...
تنبيهات على ضوء هذه الآيات :
١ ـ إن للملك والأيدي زهوة لا تبقي ولا تذر ، فليتحذر عنها كل ذي بصر ، وحتى داود النبي ، فليستغفر ربه سترا عن الزهوات الهاجمة إليه : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) استغفارا يدفع عن النوازل ، لا أنه يرفع الكائن الحاصل!
٢ ـ على الحاكم بين الناس أن يتخلى عن كافة الطوارئ ، آفاقية وأنفسية ، فلا يتأثر بأي مؤثر ، فلا يتبع الهوى فتضله عن سبيل الله ، لا! وحتى هوى عقله المستثار بإثارة الهدى كما في داود ، وليجعل الحق بين عينيه.
٣ ـ إن حالة الاستغفار تتطلب كل خضوع وخنوع ، وحتى للذي ظن فتنة دون علم (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ).
وهل الركوع هو الركوع؟ والسجود أفضل منه في الخضوع! الركوع المقابل للسجود هو الركوع ، ولكنما المطلق منه ـ كما السجود ـ يعني مطلق الخضوع ، ثم القرائن هي التي تقرر موقفه ، وهنا المناسب هو السجود وكما