لذلك تراه يغفر له فور ظنه ، ثم يمدحه بما يزيح عنه وصمة خلاف العصمة ، ثم يجعله خليفة في الأرض :
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ)(٢٦).
أترى يوسم داود بوسام الشرف هذا ، حاكما مطلقا بين الناس ، لأنه ظلم في حكمه ، أم لأنه غفر له عن شطط حكمه؟!
وقد يلمح أو يصرح (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) أن خلافته الرسالية كانت بعد فتنته (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ) بحكم الشرعة العامة وحكم الأقضية الخاصة ، وهنا تزول كل مشكلة تحيك حول عصمة الرسالة ، و «خليفة» هنا كما في غيره لا تعني خلافة عن الله ، فإنه إشراك بالله وأضل سبيلا ، حيث الخلافة تقتضي مستخلفا عنه متجانسا ، الميت أو الساقط عن كيانه ، سبحان الله العظيم.
وإنما تعني خلافة الحكم الرسالي عن رسول أم رسل سابقين.
ثم (إِنَّا جَعَلْناكَ) برهان لا مرد له أن الحكم بين الناس بحاجة ماسة إلى جعل إلهي ، فلا خلافة الرسول عن رسول ، ولا خلافة خلفاء الرسول عن الرسول ، ليس شيء منهما إلّا بجعل وانتصاب إلهي.
فخليفة الشورى! هو خليفة الناس دون الرسول ، كما الخلافة الحاصلة بالسيف والنار ، دون شورى ولا جعل إلهي ، هو خلافة السيف