ف (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) تعنيه كرسول ، وفي ذلك القتل قتل له أو لرسالته (فَاغْفِرْ لِي) سترا لما يتربص بي من دوائر السوء (فَغَفَرَ لَهُ) نجاتا عن قتله وإبقاء لرسالته وإن تأخرت عشر سنين.
لقد وقع موسى هنا في مأزق ثان كالأوّل ، فهل يقفز تعجيلا فكالأول ، ام هل يحفز تأجيلا ، والحفاظ على النفس المؤمنة واجب؟ فإنما يبطش بالفعل دون قفز قاض ولا حفز منحاز :
(فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) ١٩.
(بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) طبعا هو القبطي الفرعوني ، أترى (قالَ يا مُوسى) هي قالة الإسرائيلي لأنه اغتاظ بكلامه (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) فظن انه يقصد ببطشه إلى قتله ، فوبخه ببطشته تأنيبا له (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي ...) فعرف القبطي ان موسى هو الذي قتل منهم نفسا بالأمس فأخبر فرعون الخبر فائتمروا بموسى فجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ..؟
وإرادة البطش بالذي هو عدو لهما ظاهرة الهدف ان ليس هو الذي من شيعته! وغواية المؤمن لا تقتضي قتله وهو يحارب المشرك! ولا مرجع صالحا لضمير الغائب في «قال» إلّا (بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) فإنه الأقرب لفظيا ومعنويا! و (كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) لا تناسب إلا نفسا كهذه النفس وهي العدوة لهما ، إذ لا صلة ولا مماثلة بين قتل الإسرائيلي المؤمن المهاجم ، وقتل القبطي الكافر المهاجم! ثم ولا تأنيب في قتله نفسا بالأمس إذ كان دفاعا عن الذي من شيعته فكيف يؤنبه فيه! ثم وكيف يليق به القولة الفاتكة (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) فإنه ارتداد