فاعل هذه السلبية القاضية؟ من تربى عند صاحب السلطة وليدا ولبث فيهم عمرا ، ثم وجنى فيهم جناية! ثالوث المهانة فيمن أرسل لهذه السلبية القاسية القاضية.
يا رسول رب العالمين! (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) فكيف تعارض مربيك إلى خلاف ما رباك؟ (وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) فأنت إذا عضو منا وقسم ضعيف من كياننا ، فكيف تتفضل علينا؟ (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) حيث قتلت منا قتيلا (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) نعمة الإبقاء إذ ما قتلناك رغم المرسوم الملكي عندنا بتقتيل الولائد من بني إسرائيل ، و (مِنَ الْكافِرِينَ) نعمة التربية ولبثها! و (مِنَ الْكافِرِينَ) بربوبيتي إذ تناسيتها فأجرمت فينا ، ثم أتيت رسولا إلينا تتهدم صرح ملكنا ، بل ومن الكافرين ـ أيضا ـ بربك الذي بعثك إذ كنت عندنا كأحد منا! فكيف تواجهنا هكذا بذلك الوجه الأسود والسابقة السوداء وهو خلاف العقلية والتربية الإنسانية؟.
ثم وعلى أية حال كيف الفرع يفوق الأصل ويتفضل ، وما فضله إلّا منه؟ فكرة خاطئة بين حماقى الطغيان والذين يؤصّلون الموازين المادية بين كل الموازين ، متغافلين عن الأصالة الموهوبة من الله ، فيستغربون ان وليدا بينهم عاشهم سنين يرجع إليهم رسولا من الله.
(قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(٢٠).
هنا يقدم موسى ثالث ثلاثة من ثالوث الاعتراضات الفرعونية النكدة ، فينكر (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) كفرا وكفرانا في كل الزوايا المعنيّة ، ثم يصرح (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) وتراه : كان ضالا حين فعل فعلته؟ وعماذا؟ فهل هو ضلال عن الايمان؟ وهو كفر ينكره! أم ضلال الكفران؟ فكذلك الأمر! حيث بدل (مِنَ الْكافِرِينَ) إلى (مِنَ الضَّالِّينَ)! فلا كفر له ـ إذا ـ ولا كفران