وتراه كيف يهتف بشيعة له حالة اقتتاله مع عدو له (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ)؟ لأن اقتتال شيعته مع الأعداء الفرعونيين ـ ولمّا يحن حينه ، ولا قويت لموسى يمينه ، وهو في بداية أمره ـ ذلك القتال العجال غير صالح في هذا المجال ، كما وان رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه لم يقاتلوا أو يدافعوا في العهد المكي إذ ما حان ـ بعد ـ حينه حتى جاء العهد المدني فسمح له في الدفاع والجهاد.
ثم الدعوة الرسالية مهما كانت قوية ، ليست لتبدئ بالقتال والقتل والقسوة ، وإنما بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي احسن ، ثم القتال إذا وجد له مجال.
فموسى الذي هم به فرعون ، وهو هارب من بأسه فيدخل المدينة على حين غفلة من أهلها ، كيف يجوز لشيعة له ان يكدّر عليه الجو اكثر مما كان فيقاتل عدوا لهما ، فيفرض عليه نصره فقفزه فالقضاء عليه ، ثم يكرر بعد يوم نفس المسرح ، مما يحرّج موقفه الرسالي اكثر مما حرّج أول مرة ، إذا فحق له هتافه (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ).
اجل ، غوي بعراكه هذا الذي لا ينتهي إلّا إلى ثائرة نائرة على موسى وبني إسرائيل ككل.
وهم بعد ضعفاء ، ما حانت لهم الثورة «مبين» تلك الغواية في المدينة حيث ضاعت وشاعت وتشيع اكثر مما كانت فتجتث اصول الثورة المستقبلة الرسالية ، وقد تلمح (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) انه ممن أشير إليه من ذي قبل ب (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) لا فحسب الذي من عدوه ، والمقاتلة ، بل والذي من شيعته حيث اقدم على المقاتلة ، إذا ف «هذا» ثالوث الشيطنة وموسى قد ابتلي بها لحد يستغفر ربه من خلفياتها ولم يعمل هو إلّا واجبه دفاعا عن نفس مؤمنة ، مهما اخطأ طورة بقفزه القاتل دون تقصّد.