فضلا عن المؤمنين ، اللهم إلّا في جهاد العدو في الدين ، فهنا القتل مسموح مهما كان بدائيا أو وقائيا ، فموسى يقضي بوكزة واحدة على عدوه المهاجم على شيعة له ، مما يشي يبالغ قوته وفتوته ، مصورا مدى انفعاله وغضبه ، وما كان يخالجه من الضيق بفرعون وملإه الظالمين بحق أشياعه المضطهدين ، ولكن لما رآه جثة هامدة خامدة بين يديه ندم على هذه الصدفة الهائلة فاستغفر ربه وأناب اليه واستنجده لموقفه الحرج المخيف ، فأنجده الله.
(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ١٨.
مضى يوم «فأصبح» لغده «خائفا» خلفيّة قتله بالأمس «يترقب» الفرج من ربه ، ام و «يترقب» منفذا عن مضيقة ، أو يترقب الفضيحة في انكشاف امره وخلفية الأذى ، ملتفتا متوجسا يتوقع الشر في كل لحظة ، مما يؤكد حساسية القصر ضده منذ أمد ، وإلّا فما أرخص لرجل القصر ، المتبنّى لفرعون ، أن يقتل أيا كان من الشعب ، فقد كان حين دخل المدينة منفصلا عن القصر ، معروفا لدى شيعته لحد عرفه هذا الذي من شيعته ، كما عرفه عدوه الثاني إذ (قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ...)!
مضى يوم عن الواقعة وهو (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) ـ (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ) من شيعته «يستصرخه» في اقتتال ثان مع عدو لهما ثان ، محنة بعد محنة ، مما يحرّج موقفه اكثر مما كان ، ف (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ) دون شك «لغوي» عن صراط الحق «مبين» غوايتك ، والاستصراخ هي طلب الصرخة أن تطلّب من موسى بصرخة ان يصرخ على عدوه الثاني قالة وفعالة كما فعل بالأمس على الأوّل.