فزمته (١) بما جعلته حوله فلذلك سمّيت زمزم وكان جرهم (٢) نازلة بذي المجاز (٣) وعرفات فلمَّا ظهر الماء بمكّة عكفت الطير والوحش على الماءِ فنظرت جرهم على تعكف الطير في ذلك المكان واتبعوها حتّى نظروا إلى امرأة وصبيّ نازلين في ذلك الموضع قد استظلّا بشجرة وقد ظهر الماء لهما فقالوا لهاجر من أنت وما شأنك وشأن هذا الصّبيّ قالت أنا أمّ ولد إبراهيم خليل الرّحمن وهذا ابنه أمره الله أن ينزلنا هاهنا فقالوا لها فتأذنين أن نكون بالقرب منكم فلما زارهم إبراهيم عليه السلام يوم الثالث قالت هاجر يا خليل الرحمن ان هاهنا قوماً من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتّى يكونوا بالقرب منّا أفتأذن لهم في ذلك فقال إبراهيم عليه السلام نعم فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فأنست هاجر واسمعيل بِهم فلما رآهم إبراهيم عليه السلام في المرة الثالثة نظرَ إلى كثرة الناس حولهم فسرّ بذلك سروراً شديداً الحديث وقد مضى تمامه في سورة البقرة.
والعيّاشيّ عن الكاظم عليه السلام : أنّ إبراهيم عليه السلام لما أسكن اسمعيل وهاجر مَكة وَوَدَعَهما لينصرف عنهما بكيا فقال إبراهيم عليه السلام ما يبكيكما فقد خلفتكما في أحبّ الأرض إلى الله وفي حرم الله فقالت له هاجر يا إبراهيم ما كنت أرى نبيّاً مثلك يفعل ما فعلت قال وما فعلت قالت إنّك خلّفت امرأة ضعيفة وغلاماً ضعيفاً لا حيلة لهما بلا أنيس من بشر ولا ماء يظهر ولا زرع قد بلغ ولا ضرع يحلب قال فرقَّ إبراهيم ودمعت عيناه عند ما سمع منها فأقبل حتّى انتهى إلى باب بيت الله الحرام فأخذ بعضادتي الكعبة ثمّ قال اللهمّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي الآية قال فأوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام أن اصعد أبا قبيس فناد في الناس يا معشر الخلائق إنّ الله يأمركم بحجّ هذا البيت الذي بمكّة محرّماً مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سبيلاً فريضة من الله فمدّ الله لإبراهيم عليه السلام في صوته حتّى اسمع به أهل المشرق والمغرب وما بينهما من جميع ما قدر الله وقضى في أصلاب الرجال من النّطف وجميع ما قدر الله وقضى في أرحام النساء إلى يوم
__________________
(١) زمّه فانزمّ شدّه ق.
(٢) جرهم كقنفذ حيّ من اليمين تزوّج فيه اسمعيل عليه السلام ق.
(٣) وذو المجاز سوق كانت لهم على فرسخ من عرفات ق.