فلا يزالون على ذلك إلا أن تقطع قلوبهم ، حسرة ، وتزهق نفوسهم خيفة.
وهكذا يعيش صاحب الكيد الخادع الهارع ، مزعزع العقيدة ، حائر المكيدة ، فهو جحيم من داخل ، محروقا بجحيم نفسي ومن خارج ، مارج من نار ، جهنم يصلونها وبئس القرار.
أترى ألّا توبة لهم حتى تقطّع قلوبهم موتا وفوتا؟ قد يعني تقطّع قلوبهم إلى موتهم مضطربين ، حالتهم بعد توبتهم ، أنهم كلما يذكرون فعلتهم تتقطع قلوبا تحزّنا على ما فعلوه ، فقد لا يزالون في تقطع قلوبهم كافرين ومؤمنين ، مهما يطمئنهم الإيمان فيقل ذلك التقطع قدر ماكن الإيمان ، وإلى أن يقطّع الإيمان قلوبهم المقلوبة إلى قطاع صالح مطمئن ، فتقلّب القلب الخاوي عن ذكر الله هو اطمئنانه بالله ، كما أن تقلب القلب المطمئن بذكر الله هو إخلاده إلى الأرض ، رضى بالحياة الدنيا واطمئنانا بها.
فتقطّع القلوب بدوام الريبة بالموت أو المعيشة الضنك هو لمن يبقى على نفاق وكفره ، وتقطّعها بزوال الريبة هو لمن آمن وعمل صالحا ثم اهتدى.
فللأولين بنيان الريبة في قلوبهم من ذلك البنيان المنهار الهار في النار ، ريبة على ريبتهم إذ لم يفلحوا بكيدهم أو يفلجوا بميدهم إلّا أن تقطّع قلوبهم بموتهم فتزول الريبة حيث يكشف الغطاء ، وللآخرين هدم لبنيان الريبة بتقطّع قلوبهم المظلمة إلى النيرة فتزول بذلك الريبة.
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١١١).
هنا المشتري هو الله ، والمشترى به هو الحياة الدنيا : (أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) والمشترى هو الجنة : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ