ولكن أعيانها كانت تتبدل بتبديل الأسماء في ذلك النسيء التأخير (١).
ولقد كان في العام التاسع من الهجرة رجب الحقيقي غير رجب ، وذو الحجة غير ذي الحجة ، فرجب واطئ جمادي الآخرة وذو الحجة واطئ ذو القعدة ، وكان نفر الجهاد فعلا في جمادي الآخرة واقعا وفي رجب مختلفا ، فرشقت سهام هذه النصوص على تلك الجاهلية الحائرة المائرة إبطالا للنسيء عن بكرته حيث كان خلاف سنة التكوين والتشريع (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ)(٢).
ولقد زاد هذا الكفر ركاما على جاهلية الإشراك فأصبح (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) حيث كانوا (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) كأنهم هم المشرعون أمام الله ، والقصد من تراوح التحليل والتحريم (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) فيه القتال (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) بذلك النسيء.
فقد جمعوا إلى تحويل موضوع التحريم بذلك النسيء أصل التحليل والتحريم به ، احتيالا حائلا عن تحليل الله وتحريمه ، ولذلك استحقوا ذلك التنديد الشديد المديد.
وليسوا هم فحسب ، هكذا كل المحتالين في الأحكام والموضوعات
__________________
(١) في مجمع البيان قال مجاهد : كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين وكذلك في الشهور حتى واقفت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ثم حج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة فذلك حين قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض السنة إثنا عشر شهرا منها أربعة حرم .. حيث أراد بذلك أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء ، وفي كتاب الخصال عن عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلام من خطبة له (صلى الله عليه وآله وسلم) (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) فإن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ... وكانوا يحرمون المحرم عاما ويستحلون صفر عاما ويحرمون صفر عاما ويستحلون المحرم ، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلادكم ، أقول : وهذا النسيء داخل في طليقه خارج عن مورده في الآية (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ).