فقد والله رأيت أنا فسحة مسجد الضرار خاوية بين بنايات دون عمار فسألت عنها كيف لا يبنى عليها فكان الجواب كلمة واحدة كلما عمّر احترق وتهدّم (١)!.
ذلك مشهد مشهد آخر يرسمه هذا التعبير العبير منقطع النظير لآثار مسجد الضرار في نفوس بناته الأشرار وبناة كل بنايات الضرار ضد صرح الإيمان :
(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١١٠).
فلقد انهار مسجد الضرار في جحيم النار ، ولكن رمادا منه بعد قار في قلوب بناته وهو ريبة ، قلوب اندغمت فيها ريبة ذلك البنيان دائبة ما هي باقية باغية (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) بهذه الريبة المصيبة (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما في قلوبهم «حكيم» بما هو فاعل بهم ، وهم يخافون مع هذه الريبة إنزال ضروب العقوبات والمكاره بهم ، أو بسط المؤمنين عليهم لما ظاهروهم من العناد والشقاق ، فهم أبدا بنفوسهم مستريبون ، وعليها خائفون مشفقون ،
__________________
(١) ومن أشباه مسجد الضرار ، قبر معاوية الضرار ، فإنه خربة منذ قرون ، رغم كونه في أوساط دمشق عاصمة حكومته ، وحين نسأل عن أهل دمشق كيف نرى قبر معاوية خربة منتنة؟ نسمع الجواب كلمة واحدة : كل قائد سياسي من رؤساء الوزارات وسواهم صمم على تعميره أو أخذ يعمره دمّر هو نفسه قبل أن يعمّر ، ومنهم عبد السلام عارف من رؤساء الجمهورية العراقية حيث أخذ في جمع متبرعات لتعمير قبر معاوية فاحترقت طائرته بين بصرة وبغداد.
ذلك ، ويقابله قبر معاوية بن يزيد إذ كان من الصالحين نسبيا وينقل عنه أنه رقى المنبر بعد أبيه يزيد وقال : يا ليت كنت مضغة ساقطة وما جلت هذا المجلس اغتصابا لحق أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد نرى قبره عامرا يزار ، وقد اتفق كرارا أنه لما يسأل عن قبر معاوية ، يشير جماعة من المتعصبين له إلى قبر معاوية بن يزيد ، حفاظا على كرامة معاوية بن أبي سفيان حتى لا يرى قبره في عاصمته خربة نتنة ، في حين نجد قبر رقية بنت الحسين (عليه السلام) ـ ولم يمض من عمرها إلّا ثلاث سنين ـ نجده بقرب قبر معاوية عامرا يزار ، وقد وسّعوه أخيرا وكلفوا في توسعته ملايين من الليرات!.