وقد ينحلّ اختلاف الأثر في حلّ صيد غير الكلب من الجوارح وحرمته بأن دليل الحرمة ناظر إلى غير المكلّب منها ، ودليل الحل موافق لطليق العموم في «من الجوارح» ولا تعني «مكلّبين» إلا معلّمين كلبها ، دون اختصاص بكونها من الكلاب ، فالكلب غير المعلم لا يحل صيده وغيره من الجوارح المعلّمة يحل صيدها ، فقد يعم الكلب نفسه كلّ الجوارح فضلا عن «الجوارح» كما يروى عنه (ص) من قوله : «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله الأسد» (١).
ولو اختص الحل بصيد الكلب لم تصح «من الجوارح» ولا تعني «مكلبين» إلّا تعليمها الكلب والجرح مثل الكلب ، فما كانت من الجوارح كلبا معلما أو مثله في الكلب فحلّ أكله.
والعبارة الصالحة لاختصاص الحل بكلب الصيد «وما علمتم من الكلاب معلمين» إذا ف «مكلبين» تعني جعل الجارحة كلبا يكلب كلب الإنسان المتشرع ، سواء أكان كلبا أم سواه من الجوارح ، ثم (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ
__________________
ـ قلت يا رسول الله (ص) : إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فما يحل لنا منها؟ قال : «يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين ...» ثم قال : ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك ، قلت : وإن قتل؟ قال : وإن قتل ما لم يأكل هو الذي أمسك ، قلت : إنا قوم نرمي فما يحل لنا؟ قال : ما ذكرت اسم الله وخزفت فكل.
أقول : «ما لم يأكل» قد لا يعني عدم الأكل أصلا وإنما عدم الأكل فيها لم يمسكن عليكم وإنما بقية لم تأكلها بعد شبعها ، و (مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) لا يدل إلا على أصل الإمساك دون حصر الإمساك.
وفي آيات الأحكام للجصاص ٢ : ٣٨٢ بسند متصل عن عدي بن حاتم قال : لما سألت رسول الله (ص) عن صيد الكلاب لم يدر ما يقول لي حتى نزلت (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) وفيه (٣٨٤) روى مروان عن نافع عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : الصقر والبازي من الجوارح مكلبين.
(١) تفسير الفخر الرازي ١١ : ١٤٣.