فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) ١٤.
(الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) صنفان ، منهم من وقف على القال تاركا للحال والفعال اللذين هما قضية كونهم نصارى للمسيح (ع) ، ومنهم من نصره في مثلثة الأقوال والأفعال والأحوال ، فالأولون (أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) كما أخذنا ميثاق بني إسرائيل (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) كما هم أولاء نسوا ، ولا سيما البشارات المحمدية التي يحرفونها عن مواضعها.
ولماذا (فَنَسُوا حَظًّا) دون «طرفا أو بعضا» مع أن كل الوحي حظ؟ علّه للإشارة إلى أن موضع نسيانهم في حقل وحي الكتاب هو أهم ما في الكتاب من صالح التوحيد وعصمة الرسالة وصالح المعاد ، وأضرابها في مهام الفروع ، ومن الحظ المنسي البشارات المحمدية (ص).
وذلك النسيان هو نسيان التناسي المعمّد حيث تتلوه (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) فلو لم يكن نسيانا وعصيانا لم يغر بينهم العداوة والبغضاء ، ثم تكفي نسبة النسيان إليهم أنه فعلهم باختيار.
(فَأَغْرَيْنا ..) كما «ألقينا» بين اليهود : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (٥ : ٦٤).
هذان نصان لا حول عنهما في إغراء العداوة بين النصارى الناسين حظا مما ذكروا به ، وإلقاءها بين اليهود الملعونين بما قالوا وما فعلوا وافتعلوا.
فالإغراء هو الإلهاج من غرى : لهج ولصق ، وأصله من الغراء وهو ما يلصق به : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي