ومهيئاته ـ فإنه التمايل المتخلف كما الحنف هو الميل المتآلف ـ كمن يسافر ـ دون ضرورة ـ إلى بلدة يضطر فيها إلى أكل الحرام أو فعل الحرام ، فإن سفره هذا تجانف لإثم ، مهما لم يتعمد أكل الحرام حين اضطراره إلّا اضطرارا.
فهنا (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ليست لتشمل إلّا المضطر غير المتجانف لإثم ، وقد جاء في أخرى (.. غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (٢ : ١٧٣) وفي ثالثة ورابعة : «فإن الله ـ (فَإِنَّ رَبَّكَ ـ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦ : ١٤٥) و ١٦ : ١١٥).
إذا فثالوث «تجانف لإثم ـ عاد ـ باغ» تحرّم على المضطر حتى حين تهدر نفسه ، مهما كان واجبا في هدرها حفاظا على نفسه ، وهنا (غَيْرَ مُتَجانِفٍ) دون (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) حيث الموضوع أعم مما في هذه الثلاث الأخرى وأهم ، إذ يجمع إلى مخمصة الجوع مخمصة الروح حرجا وتضيّقا.
ولا يختص الاضطرار هنا بخوف التلف إلّا بالنسبة للمتجانف العادي الباغي ، فقد يجوز لغيرهم أكل هذه المحرمات قدر الضرورة للحفاظ على قوة حياة مهما لا يخاف الموت ، حيث الاضطرار لا يختص باضطرار لأصل الحياة ، بل والاضطرار الحيوي يسمح ويفرض اقتراف الحرام للحفاظ على النفس مهما حرم من جهة التقصير في حصول الاضطرار.
وقد يعني الاضطرار بصورة عامة تكلف الضرر نفسيا أو صحيا أو ماليا أو عرضيا أو دينيا ، في نفسه أمّن هو كنفسه من ولده وأهليه ، ما صدق الاضطرار عليه عرفا.
ففي حالة اضطرار غير المقصر ولا باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم يجوز تناول المحرم أيا كان قدر الضرورة ، اللهم إلّا أن تكون حرمة المحرم أغلظ من حرمة الاضطرار ، ففي اضطرار الموت يحل كل حرام اللهم إلّا ما هو أشد محظورا منه ، ثم في سائر الاضطرار لا بد من النظر إلى طرفيه ، ولا