ورجل قمش جهلا ، موضع في جهال الأمة ، عاد في أغباش الفتنة ، عم بما في عقد الهدنة ، قد سماه أشباه الناس عالما وليس به ، بكّر فاستكثر من جمع ، ما قل منه خير مما كثر ، حتى إذا ارتوى عن آجن ، واكتنز من غير طائل ، جلس بين الناس قاضيا لتخليص ما التبس على غيره ، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّا لها حشوا من رأيه ثم قطع به ، فهو من لبس الشبهات في مثل نسيج العنكبوت ، لا يدري أصاب أم أخطأ ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ ، وإن أخطأ رجى أن يكون قد أصاب ، جاهل خبّاط جهالات ، عاش ركّاب عشوات ، لم يعضّ على العلم بضرس قاطع ، يذري الروايات إذراء الريح الهشيم ، لا مليء والله بإصدار ما ورد عليه ، ولا هو أهل لما فوّض إليه ، يحسب العلم في شيء مما أنكره ، ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهبا لغيره ، وإن أظلم أمرا اكتتم لما يعلم من جهل نفسه ، تصرخ من جور قضاءه الدماء ، وتعج منه المواريث ، إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالا ويموتون ضلّالا ، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ، ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه ، ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر» (١).
ذلك (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) إنما يحكم بكفره وفسقه وظلمه حين يعلم أنه تارك لحكم الله وهو في موقف تبيانه ، فهو كفر عملي ، وأما من يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم فهو كفر عقيدي ، وأما الذي لا يعلم
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦٢٨ في كتاب الإحتجاج عن معمر بن راشد قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول قال رسول الله (ص) وقد ذكر الأنبياء صلوات الله عليهم ، «وإن الله عز وجل جعل كتابي المهمين على كتبهم الناسخ لها ...» وفيه في روضة الكافي بسند متصل عن علي بن عيسى رفعه قال : «إن موسى (ع) ناجاه ربه تبارك وتعالى فقال في مناجاته أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر فمثله في كتابك إنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها ...».