والحرم لمكان «حللتم» بعد (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) الشامل لهما ، ولا راجحه أو مسموحه طليقا حتى يستدل بإطلاقه لحلّه في صيد اللهو ، فإنما هو أمر عقيب حظر يرتجع حكم الاصطياد الذي كان قبل كونكم حرما.
ثم «حللتم» دون «أحللتم» مما يلمح صارحا أن الخروج عن الإحرام ليس ـ فقط ـ بتقصد دون شروط ، فلا يجوز هدم الإحرام قبل انقضاء مناسكه ، إنما «إذا حللتم» خروجا عن الإحرام بعد انقضاء المناسك المفروضة حاله.
(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا).
«لا يجرمنكم» من الجرم : القطع ، وهو قطع الثمرة قبل إيناعها إسرافا أو تبذيرا ، فكل عملية مسرفة أو مبذّرة جرم ، ـ والاسم جرم ـ ولا يسمح له (شَنَآنُ قَوْمٍ) وسواه.
وهذه كضابطة ثابتة أن جرم قوم لا يسمح أن تجرموا أنتم كما جرموا إلا اعتداء بمثل ما أعتدي فيما يسمح.
والشنآن هي عداوة ذات حركة وجولان ، وهي أعم من كونها إضافة إلى الفاعل أن يشنؤكم أم إلى المفعول أن تشنؤهم ، ام كليهما على البدل أن تتشانئوا.
وتراه شنآنا بين المؤمنين والمشركين حتى يناسب النهي عن الاعتداء صدا لهم عن المسجد الحرام كما صدوكم ، وإن كانوا (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ..) (٤٨ : ٢٥)؟.
فذلك تقريب غريب ل «آمين» للمشركين ألّا تصدوهم عن المسجد الحرام وإن صدوكم ، والاعتداء بالمثل ضابطة سارية المفعول حتى وإن كان دخول المشركين المسجد الحرام مسموحا!.