و (شَنَآنُ قَوْمٍ) هنا هو شنآن المشركين ضد المؤمنين (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وهنا مصبّ النهي هو إحلال الشهر الحرام ، أن تحلوا فيه قتالهم بعد الفتح أن صدوكم عن المسجد الحرام قبل الفتح ، ومن ثم شنآن بين المؤمنين أنفسهم إن صد بعضهم بعضا عن المسجد الحرام ، أن يصدّوا الصادّين صدا بصد ، فإنه محظور.
ثم والاعتداء غير مسموح إلّا بمثله المسموح ، دون طليق الاعتداء بمثل وسواه ، زائدا وسواه ، فلا يعتدى على المهاجمين من المشركين بحرب بدائية عند المسجد الحرام ، كما لا يعتدى على مؤمنين بينكم وبينهم شنآن أن تصدّوهم عن المسجد الحرام كما صدوكم.
فكما لا يجوز الاعتداء زائدا على ما اعتدي ، كذلك الاعتداء بمثل ما اعتدي في المحظور ، كأن تزني بامرأة من زنى بامرأتك ، أو تفتري على من افترى عليك وما أشبه.
وإحلال الشهر الحرام بقتال فيه وإن كان مماثلا لإحلال المشركين الشهر الحرام ، ولكنما الإحلال في حد ذاته غير محلّل اللهم إلّا دفاعا حاضرا : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (٢ : ١٩١).
فإخراج المشركين كما أخرجوكم عن المسجد الحرام مسموح ، مرة اعتداء بالمثل ، وأخرى (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) وإن لم يخرجوكم عن المسجد الحرام ، فأما إخراج المؤمنين فلا ، مهما أخرجوكم واعتدوا عليكم.
ولكن قتال المشركين اعتداء بمثل ما اعتدوا دون حاضر الدفاع فلا ، فإنه إحلال الشهر الحرام والمسجد الحرام ، ولكلّ منهما حرمته ، فضلا عن جمعهما.