ومن واجب التوبة أن تكون نصوحا مصلحة ما أفسد بالعصيان ما أمكن ، وليعلن التوبة حتى يعرفها الحاكم وإلّا فكيف يعرفها فيعفو عنه؟.
و (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) دون «من قبل أن تلقوا عليهم القبض» مما يضيّق دائرة التوبة بما قبل القدرة عليهم ، فإن لم يتوبوا قبلها ولمّا يقبض عليهم فلا توبة لهم ، وعلّه لأن التوبة بعد القدرة عليهم ليست إلا خوفة وإيمانا عند رؤية البأس ، اللهم إلّا توبة خالصة عند رؤيته كما في قوم يونس ، إلّا أنها لا تغسل درن العصيان إلّا بالنسبة ليوم الجزاء وعقوبة الدنيا باقية بطليق النص.
إذا فالمغفرة في التوبة قبل القدرة هي كضابطة عامة يستثنى عنها ما يستثنى بنصوص أخرى و (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) تغفر عقوباتهم في الدنيا والآخرة ولا سيما باللمحة اللّامعة في «فاعلموا» أي أنتم حكام الشرع «فاعلموا» ولأن التائب عن الذنب كمن لا ذنب له ، فلا حدّ عليه حيث الحد عقوبة أو تخفيف عن عقوبة ، والغفر هنا يختص ـ طبعا ـ بحقوق الله ، ثم للناس أن يغفروا تأدبا بأدب الله ، ولهم ألّا يغفروا بالنسبة لحقوقهم فحسب.
فحين يرتدع هؤلاء المحاربون أو الساعون في الأرض فسادا ، نتيجة استشعارهم نكارة الجريمة ، وتوبة منهم إلى الله ، إلى طريقه المستقيمة ، وهم لا يزالون في قوتهم وإمكانيتهم وقبل القدرة عليهم ، إذا سقطت جريمتهم كيفما كانت ولم يعد للسلطان عليهم من سبيل ، اللهم إلا القاتل عمدا فإن دم المسلم لا يهدر.
فالمنهج الإسلامي يتعامل مع الطبع البشري بكل منحنياته مشاعر ومسارب ومحتملات والله ـ وهو البارئ البارع لهذه الطبيعة ـ يؤدبه كأحسن ما يرام ، فلا يأخذه بحادّ القانون وحدّه ، وحده ، فإنما يرفع سيف القانون مصلتا لارتداع من لا يرتدع إلّا بالسيف ، فاعتماده الأوّل ليس إلّا على تربية القلوب