والإصلاح باق ، وليست الجريمة مما تحتم إحدى العقوبات الثلاث.
فللحد بعدان ، بعد الانتقام ورجاء التوبة ، وهما منفيان في الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ، إلّا في حقوق الناس الثابتة بالنص ، فمن لم يقتل أو يسرق ، لم يثبت عليه حد إن تاب قبل القدرة ، ثم وبعدها قد ينتقل حده إلى النفي رجاء التوبة ، والمبتدع والمضلّل الداعية إلى الباطل ، والساعي في الأرض فسادا ، إن تابوا وأصلحوا قد لا يجري عليهم الحد أو يكتفي فيهم بالنفي بغير غرق ، لا سيما الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ، بل ولا نفي هنا كما ينفى عنه سائر الحد.
(ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) كما أخزوا الدين والدينين (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) مما يدل على أن عقوبة الدنيا لا تكفي عن الآخرة ، وإنما تخفف عنها وتؤدبهم وتصد عن الجماعة المؤمنة أذاهم ، اللهم إلّا بدليل قاطع كما في قسم من الحدود المصحوبة بالتوبة.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أترى الاستثناء يختص بالجملة الأخيرة وهي عظيم العذاب في الآخرة وعذاب الدنيا باق؟ ظاهر الاستثناء رجوعه إلى كل الجمل السابقة دونما استثناء ، و (أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تجتث آثار العصيان بأسرها ، ومن أدناها العقوبة في الدنيا ، إلّا أن حقوق الناس مما لا يعفى عنها فيقتل القاتل إلّا أن يعفو عنه أولياء المقتول ، ولكنه قبل التوبة لا يعفى عنه وإن عفوا إلّا في غير المحارب والساعي في الأرض فسادا.
وقد يقتل بعد توبته قبل القدرة عليه كالمرتد فطريا ، مهما قبلت توبته بالنسبة للآخرة ، وبأحرى بالنسبة للتوبة عما دونه من عصيان إذا كانت بعد أن يقدروا عليه ، مهما بقيت عليه العقوبة الدنيوية.