فلا يعني نفيه ـ أيا كان ـ إلّا نفي سعيه في الفساد بمختلف الذرائع ، نفيا لنفي قدره ، فإنه إصلاح له وللمجتمع الذي يعيشه.
فالنفي من أرض الجريمة إلى مكان ناء يحس فيه المجرم بالغربة والتشرد والضعف جزاء ما شرّد وخوّف وطغى ، حيث يصبح في منفاه عاجزا عن مزاولة جريمته بضعف عصبيته ، أو بعزلة عن عصابته.
فقد يعم نفيه من الأرض كل هذه الثلاث كلّا حسب الجريمة ونحوها دون فوضى جزاف ، والقصد من النفي من بلد الجريمة والسجن هو تأديبه وصدّ أذاه حتى يتوب ، فقد يختص النفي في هذين الأخيرين بما يرجى تأدّبه وتوبته ، وذلك في غير القاتل والسارق المسلح والمبتدع والمضلل ، فإنهم لا توبة لهم إلّا قبل أن تقدروا عليهم.
والغرق في النفي الأول هو بديل القتل والصلب ، ثم النفي الثاني والحبس بديلان عن تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ، وأما الضرب فلا دور له في هذه الجرائم فللتعزير موارد منصوصة دون فوضى جزاف.
واللائح من نصوص النفي أنه لهدف التوبة ، حيث رجاء التأدب
__________________
ـ آل رزين قال : قطع الطريق بحلولا على السابلة من الحجاج وغيرهم وأفلت القطاع ـ إلى أن قال ـ : وطلبهم العامل حتى ظفر بهم ثم كتب بذلك إلى المعتصم فجمع الفقهاء وابن أبي داود ثم سأل الآخرين عن الحكم فيهم وأبو جعفر محمد بن علي الرضا (ع) حاضر فقالوا : قد سبق حكم الله فيهم في قوله (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ ...) ولأمير المؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء منهم ، قال : فالتفت إلى أبي جعفر (ع) وقال : أخبرني بما عندك ، قال : إنهم قد أضلوا فيما أفتوا به والذي يجب في ذلك أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق فإن كانوا أخافوا السبيل فقط ولم يقتلوا أحدا ولم يأخذوا مالا أمر بإيداعهم الحبس فإن ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل وإن كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس أمر بقتلهم وإن كانوا أخافوا السبيل وقتلوا النفس وأخذوا المال أمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم بعد ذلك ، فكتب إلى العامل بأن يمتثل ذلك فيهم.