الناس جميعا ، فمن عفى عن قاتل ولم يكن في عفوه تشجيع ، فقد أحياه فأحيى الناس جميعا ، ومن عفى عن قتّال مشجّعا إياه لقتله فكأنما قتل الناس جميعا ، فإن (الْقِصاصِ حَياةٌ) ، ففي تركه ممات ، وقد يعفى عن قاتل نجّى بريئا عن القتل وتخرج دية المذبوح من بيت المال تهاترا بين الدمين وانتقالا إلى دية (١).
ذلك! (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) رسل إسرائيليون جاءتهم تترى بالآيات البينات (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ) البيان المتواصل الرسالي (فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) في القتل وسائر الإفساد ، رغم أن شرعة التوراة هي أولى
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦٢٠ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه قال اخبرني بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله (ع) قال أتي أمير المؤمنين برجل وجد في خربة وبيده سكين ملطخ بالدم وإذا رجل مذبوح يتشحط في دمه فقال له أمير المؤمنين ما تقول : قال : أنا قتلته ، قال : اذهبوا به فأقيدوه به ، فلما ذهبوا به ليقتلوه به أقبل رجل مسرع فقال : لا تعجلوه وردوه إلى أمير المؤمنين (ع) فردوه فقال : والله يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه أنا قتلته ، فقال أمير المؤمنين للأول : ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال : يا أمير المؤمنين وما كنت أستطيع أن أقول وقد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرجال فأخذوني وبيدي سكين ملطخة بالدم والرجل يتشحط في دمه وأنا قائم عليه وخفت الضرب فأقررت وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخرية شاة وأخذني البول فدخلت الخربة فرأيت الرجل يتشحط في دمه فقمت معجبا فدخل عليّ هؤلاء فأخذوني فقال أمير المؤمنين (ع) خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن (ع) وقولوا له : ما الحكم فيها فذهبوا إلى الحسن (ع) وقصوا عليه قصتهما فقال الحسن (ع) قولوا لأمير المؤمنين (ع) ان هذا إن كان ذبح ذاك فقد أحي هذا وقد قال الله عز وجل : «ومن أحياها فكأنما أحي الناس جميعا» يخلى عنهما وتخرج دية المذبوح من بيت المال.
أقول : وهذه استفادة لطيفة من الآية ولكن يبغى عليها سؤال ، كيف يبطل حق القصاص هنا لأولياء المقتول وهو حق شخصي ، فإن لم تكن له أولياء فلمن الدية المؤداة من بيت المال؟ علّ الإمام (ع) تطلب من أولياء الدم أن يعفوا عن قصاص القاتل لمصلحة جماعية استفادها من الآية ولأن قتله نفسا وإحياءه نفسا آخر شخصيا وفي البعد الاجتماعي يتهاتران فلتدفع الدية إلى بيت المال.