وقد يعم القتل ـ إلى قتل الجسد ـ قتل الروح ، إضلالا لها عن هداها ، وإحياءها هديا لها عن ضلالها ، (١) بل «وذاك تأويلها الأعظم» (٢) ، فإن بإمكان نفس ضالة أن تضل الناس جميعا ، كما بإمكان نفس مهتدية أن تهدي الناس جميعا ، وحصالة ذلك التنظير المنقطع النظير أن الإنسانية هي كنفس واحدة ، وكما خلقت من نفس واحدة ، و (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (٣١ : ٢٨) فلتكن نفس واحدة مؤمنة محترمة كما الناس جميعا ، وعلى حد قول الرسول (ص): «المؤمن وحده جماعة» وقد يعني (قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) فيما يعنيه أن لو سمح في قتل النفس بسخاء ودون حدود لكان القاتل يسمح لنفسه قتل الناس جميعا (٣) وقد يتأيد ب (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (٢ : ١٧٩) حيث القصاص سياج صارم عن الإباحية في قتل الناس ، وضمان على حياتهم.
وهذه الحرمة الجماعية لكل نفس محترمة تتساقط إلى عكسها إذا كانت قاتلة بغير حق متعمدا نفسا محترمة أخرى ، أم كانت مفسدة في الأرض على حدودها المقررة في آية الإفساد التالية ، فليس ـ إذا ـ أي إفساد مما يهدر حرمة نفس المفسد فإنه فوضى جزاف ، وإفساد جماهيري بحق الناس ، إذ لا يخلو إنسان من أي إفساد إلّا من شذ!.
قتل نفس بغير حق هو كقتل الناس جميعا ، وإحياءها بحق كإحياء
__________________
(١) الوسائل ١٩ : ٦ عن محمد بن سنان فيما كتب إليه الرضا (ع) من جواب مسائله : حرّم الله قتل النفس لعلة فساد الخلق في تحليله لو أحل وفنائهم وفساد التدبير.
(٢) نور الثقلين ١ : ٦١٩ عن فضيل بن يسار قال قلت لأبي جعفر (ع) قول الله عز وجل في كتابه (وَمَنْ أَحْياها ...) قال : من حرق أو غرق ، قلت : فمن أخرجها من ضلال إلى هدى؟ قال ذاك تأويلها الأعظم.
(٣) نور الثقلين ١ : ٦١٩ الكافي بسند متصل عن سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له : قول الله عز وجل (مَنْ قَتَلَ نَفْساً ...) قال : من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحيا الناس ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها.