الحر بالعبد ولا الذكر بالأنثى ، ومهما كانت آية البقرة مدنية أولى وهاتان مدنيتان في المائدة وهي آخر ما نزلت ، فلأنهما تحكيان حكما سابقا توراتيا فآية البقرة تنسخهما تقييدا.
ثم (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) ليس تشبيها في الواقعية مهما كانت بعض النفوس قتلها كقتل الناس جميعا ، إذ لو عني الفرض : لو لم تكن نفس إلّا هذه لكان قتلها قتل الناس جميعا ، فإنه يجري في النفس المستحقة للقتل أيضا ، ولا في الحد إذ لا يمكن في القصاص ، ولا يصح في الدية ولا في العقوبة إذ إن (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) بل المشابهة فقط في الشرف ، فكما أن قتل مؤمن لإيمانه قتل للإيمان ككل ، كذلك قتل إنسان لأنه إنسان قتل للإنسانية شرفيا كما أن تكذيب رسول لأنه رسول تكذيب للرسالات كلها ، وتصديق رسول لأنه رسول تصديق للرسل كلهم ، كذلك القتل والإحياء ، فلا يشمل القتل إلّا عمده القاصد دون الخطأ.
و «أجل» في الأصل هو الجناية التي يخاف منها آجلا ثم استعملت في التعليل ، وهي هنا تعنيهما ، أن هذه الجناية العاجلة ، المخيفة عاجلا وآجلا ، سببت هذه الكتابة على بني إسرائيل القساة البغاة (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) لا ينتهون عن تلك الجريمة النكراء حتى بحق النبيين!.
ف (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) البعيد البعيد عن ساحة الإنسانية ، المتخلف عن حيويتها السليمة ، المخلّف دمارا وبوارا ، «ومن أجل ذلك» الاعتداء الأثيم الظليم على المسالمين المظلومين ، الذين لا يريدون في الأرض بغيا ولا فسادا.
و «من أجل» أن العظة ـ مهما كانت بالغة ـ والتحذير البالغ ، لا يجديان نفعا في نفوس شرّيرة مطبوعة على التخلف العارم ، وأن المسالمة والدعة لا تكفان عن الاعتداء حين يتعمق الشر ويتحمق في النفوس النحسة.
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) كله وما شابه جعلنا جريمة قتل النفس الواحدة كبيرة