حتى أتاه طوعا دون تصعّب ، بعد ما كان قتله صعبا عليه كأصله وبما سمع من أخيه.
وأخيرا «فقتله» وأغلب الظن أنه كان غيلة وحيلة ، دون تفريط في الدفاع خلافا لما تسربت في كتبنا من إسرائيليات ، مهما لم يحصل دفاع لمكان الغيلة أم حصل ، فإنما النص ينفي بسط يده إليه ليقتله ، لا ترك بسطها حتى للدفاع ، فإنه حق ثابت لا مرد له على أية حال.
(فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) خسر نفسه حيث أوردها ورد الهلاك فأرداها ، وخسر أخاه التقي الرقيق الرفيق فبقي بلا شقيق ، وخسر دنياه إذ لا تهنأ للقاتل حياة ، وخسر عقباه إذ باء بإثمه إلى إثمه ، كما وخسر جوه الذي يعيشه ، فسوأة الجريمة في صورتها الحسية ، حيث باتت الجثة لحما يسري فيه العفن ، ويظهر لأبيه فيعرف الجريمة من فورها ، تلك السوءة مما لا تطيقها النفوس ، فبرز حينذاك عجزه عن مواراة السوءة.
(فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (٣١) كيف أنا القوي القادر على قتل أخي هكذا غوي إذ عجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي التي ارتكبتها ، فارتبكت فيها؟.
غراب يبعث ليبحث في الأرض ، نقبا فيها فثقبا لموارات شيء كأخيه الغراب؟ أم لمجرد أن يريه كيف يواري سوأة أخيه؟ ظاهر «كيف» تمام الكيفية ، فليوار الغراب غرابا أماذا ، حتى تتم رؤية الكيفية فيواري سوأة أخيه (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) ، أمن النادمين عما عجز عنه؟ والندامة تقتضي القدرة في مجالتها ، فلا معنى للندم على غير المستطاع!.
أم هو ندم التوبة عما اقترف من جريمة إذ تبين عجزه عما يقدر عليه