وإنه «لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل» (١) ف «إن الله لا يقبل عمل عبد حتى يرضى عنه» (٢).
وهل إن تقبل عمل يقدّم لله منوط بالتقوى المطلقة في كل الأعمال ، فلا يتقبل عمل صالح بشروطه من غير العدول في كل الأعمال؟ وهذا خلاف الضرورة كتابا وسنة!.
أم التقوى مشروطة في نفس العمل المتقبّل إيمانا ونية وفي نفس العمل ، مهما كان العامل لا يتقي في سواه ، بل ولا في مقدمات نفس العمل ، وهذا هو القدر المتيقن من الآية ، فإن متعلّق التقبّل هو القربان المقرّب لله ، دون سائر الأعمال أو مقدمات هذا القربان ، فلتكن التقوى التي هي شريطة تقبل العمل ، هي التي في نفس العمل بنيته والإيمان الدافع له ، مهما كان التقبل أوفر ممن يتقي في سواه من عمل أو مقدمات لما قربه.
فالآتي بعمل صالح دون نية صالحة ، أم عمل غير صالح بنية صالحة ، لا يتقبل منه ذلك العمل ، لأنه غير متق فيه ، حيث التقوى تحلّق على ظاهر العمل وباطنه ، ونفس «يتقبل» اللّامح إلى تكلّف القبول ، مما يدل على أن العمل لا يقبل إلّا بشروط صالحة دونما فوضى جزاف.
وهنا الأخ المهدّد بالقتل لا يجابه أخاه بخشونة ، بل بكل ليونة ، فلا يقول إنك غير متق فلم يتقبّل منك ، أو إنني متّق فتقبّل مني ، بل كضابطة سارية المفعول كيفما كان انطباقها : قال إنما يتقبل الله من المتقين والتقبل وعدمه هما من فعل الله ، وليس منّا إلّا ظرف التقبل وعدمه ، فهل أنا مجرم إذ حصلت على ظرف التقبل ، فأستحق أن أقتل؟!.
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٧٤ ـ اخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن علي بن أبي طالب (ع) قال : ...
(٢) المصدر أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال قال رسول الله (ص) : ...