وأرعدت في ظواهر الحال ، وهنالك تتخربط الحسابات الخابطة عند النسناس ، الذين (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤) (١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦١٤ في كتاب معاني الأخبار بسند متصل عن الصادق (ع) قال : إن من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه وتصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله فرأيته قد أحدق به كثير من غثاء العامة فوقف منتبذا عنهم متغشيا بلثام انظر إليه وإليهم فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر فتفرق القوم لحوائجهم وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مر بخباز فتغفّله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معاملة ، ثم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفّله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معاملة ثم أقول : وما حاجته إذا إلى المسارقة؟ ثم لم أزل اتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى وتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء فقلت له يا عبد الله لقد سمعت بك خيرا وأحببت لقاءك فلقيتك ولكني رأيت منك ما شغل قلبي وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي ، قال : وما هو؟ قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ثم بصاحب الرمان وسرقت منه رمانتين ، قال : فقال لي قبل كل شيء حدثني من أنت؟ قلت رجل من ولد آدم من أمة محمد (ص) قال : أين بلدك؟ قلت : المدينة ، قال لعلك جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم؟ قلت : بلى ـ فقال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك وأبيك لئلا تنكر ما يجب أن يحمد ويحمد ويمدح فاعله ، قلت : وما هو؟ قال : القرآن كتاب الله! قلت : وما الذي جهلت منه؟ قال : قول الله عز وجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) وإني لما سرقت الرغيفين كانت سيئين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئين فهذه اربع سيئات ، فلما تصدقت بكل واحد منهما كان لي بهما أربعين حسنة ، فانتقص من أربعين حسنة ، أربع بأربع ، بقي لي ست وثلاثون حسنة ، قلت ثكلتك أمك أنت الجاهل بكتاب الله أما سمعت الله يقول : إنما يتقبل الله من المتقين ، إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت أيضا سيئتين ، فلما دفعتهما إلى غير صاحبهما بغير أمر صاحبهما كنت إنما أضفت اربع سيئات إلى أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى اربع سيئات ، فجعل يلاحظني فانصرف وتركته ...