أم إنه إعلام للرسول (ص) ألّا طهارة عليه إلّا إذا قام للصلاة دون غيرها من الأعمال ، لأنه كان إذا أحدث امتنع عن أي عمل حتى يتوضأ فأباح الله له ما بدا له من الأعمال محدثا إلّا الصلاة؟ (١) وانحصار فرض الطهارات بالصلاة خلاف الضرورة الإسلامية كتابا وسنة! ولقد سبق المائدة فرض الطهارة لمس القرآن : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٥٦ : ٧٩) وفرض رد السلام دونما شرط يكذب تركه له قبل الطهارة!.
والقول الفصل هنا إن فرض الطهارات الثلاث مخصوص بالمحدثين بدليل الآية نفسها.
لمكان (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) إذ لو
__________________
(١) في آيات الأحكام للجصاص ص ٢ : ٤٠٣ روى سفيان الثوري عن جابر بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم عن عبد الله بن علقمة قال : كان النبي (ص) إذا أراق ماء نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يكلمنا حتى يأتي أهله فيتوضأ وضوءه للصلاة فقلنا في ذلك حين نزلت آية الرخصة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ ...) فأخبر أن الآية نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة ، وفيه بسند متصل منه إلى ابن عباس أن رسول الله (ص) خرج من الخلاء فقدم إليه الطعام فقالوا : ألا نأتيك بوضوء؟ قال : «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» وفيه روى أبو معشر المدني عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): «لولا أن أشق على أمتي لأمرت في كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك».
وفيه روى قتادة عن الحسن عن حضين أبي ساسان عن المهاجر قال : أتيت النبي (ص) وهو يتوضأ فسلمت عليه فلما فرغ من وضوءه قال : ما منعني أن أرد عليك السلام إلا أني كنت على غير وضوء ، وفيه عن ابن عمر قال : بينا النبي (ص) في سكة من سكك المدينة وقد خرج من غائط أو بول فخرج عليه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه ثم إن النبي (ص) ضرب بكفيه على الحائط ثم مسح وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه إلى المرفقين ثم رد على الرجل السلام وقال : لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على وضوء أو قال على طهارة.